تفكيرٌ ناقِد وإبداعي
تفكيرٌ ناقِد وإبداعي
حين ننظر في قصة الخوارج الذين خرجوا على الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، نجد أن مشكلتهم لم تكن في العبادات أو في التسليم للنص القرآني وحفظه، وإنما كانت في غياب آليات التفكير السليم وخطئهم في فهم النصوص وتأويلها، إذ لم يتلقوا التربية النبوية التي اعتنت بذلك ولا تربية الصحابة التي تبعتها. ومن أهم الأمور التي افتقروا إليها: التفكير الناقد الذي نفحص به دقائق الأمور ونبحث به في الأسباب والنتائج ونميز الخبيث من الطيب. ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى غرس التفكير السليم والتفكير الناقد في أبناء المسلمين مع مهارات الاستقراء والاستنباط والتقويم، وأن نكون لهم قدوة في ذلك، ليُحسنوا مواجهة ما في شبكات التواصل ووسائل الإعلام المختلفة من أفكار تعبث بهم، ولئلا يكونوا جماهير لا تتفكر أو تعقل فيستخفهم من شاء كما استخف فرعون قومَه. ونتذكر هنا القول المأثور عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي يربط فيه بين التعليم الصحيح والتفكير النقدي، إذ يقول: “الناس ثلاثة: عالمٌ رباني، ومتعلمٌ على سبيل النجاة، وهمجٌ رِعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق”.
وينبغي لنا أيضًا أن نعزز التفكير الإبداعي عند أبنائنا، ليُحسنوا التعامل مع المتغيرات السريعة والطوفان المعرفي في عصرنا، وليُبدعوا حلولًا جديدة لمشكلات الأمة ويكونوا قادةً ومؤثرين في عالمنا. وتربية العقل الإبداعي تبدأ بأن يراه الطلاب في معلميهم فيتعلمونه بالممارسة والمعايشة، وبأن نمنحهم الفرصة لطرح الأسئلة والاعتراضات بحرية وفي أمان؛ فقيمة المعارف ليست فقط في حفظها وفهمها ولكنها أيضًا في ما تثيره من تساؤلات تربط المفاهيم وتقدح الإبداع، وكما قال الزُّهريّ: “العلم خزائن، ومفاتيحها السؤال”.
وحين سُئل حبر الأمة ابن عباسٍ (رضي الله عنه) : كيف أصبت هذا العلم؟، أجاب: “لسان سَؤول وقلب عقول”، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عنه: “ذلك فتى الكهول، له لسان سَؤول وقلب عقول”، وكان يشجعه ويعتني به عناية شديدة في خلافته، وكان له قدوةً عملية.
الفكرة من كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
إن التربية هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، ونحن في حاجةٍ ماسة إلى تجديدها واستعادة إرثنا التربوي الطيب.
والكتاب يحدثنا في موضوعات تربويةٍ عديدة، منها: تأهيل المربي، وتربية العقل الناقد والعقل الإبداعي، وتقدير احتياجات الأبناء وتنمية طاقاتهم، وتربيتهم على المحكمات، وصناعة الرجال.
وأحاديثه كلها مُذهَّبةٌ بأقوالٍ من التراث الإسلامي، من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله عنهم، وعلماء المسلمين وأئمتهم الذين فقِهوا التربية.
مؤلف كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
فايز بن سعيد الزهراني، كاتب سعودي مهتم بالتربية الإسلامية، ومن مؤلفاته: “التربية من جديد”، و”مثانٍ – الطريق إلى الريادة في الحلقات القرآنية”، و”غمامتان – جولة مفاهيمية في سورتي البقرة وآل عمران”، وله العديد من المقالات والدورات والمواد المرئية والمسموعة المنشورة على شبكة الإنترنت.