سيكولوجية النازية
سيكولوجية النازية
كمثال حي على الأفكار المتعلقة بالحرية السلبية وعلاقتها بالخضوع، تتبدَّى لنا الفاشية بشكل عام، والنازية على وجه الخصوص كنتاج لبيئة مهيئة بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وسيكولوجية سمحت بانتشار تلك الأيديولوجية بين الجماهير، عبر تمتُّعها بصفات معينة تتطابق مع السمات السيكولوجية في تكوين الأفراد الذين تتوجَّه إليهم، كاليأس من الإصلاح السياسي مع صعوبة الوضع الاقتصادي، والهزائم العسكرية ومعاهدة فرساي وطريقة معاملة المنتصرين للألمان، بجانب الآلة الدعائية الشيطانية للنازية التي ركَّزت على تضخيم كل مخاوف الأفراد لضمان تقديمهم حريتهم كقربان للتخلُّص من خطرها.
أدَّى سقوط الملكية إلى تغيير مفاجئ في النظام الاقتصادي والاجتماعي، ما حفَّز اليأس والشك والقلق الذي شعرت به الطبقة المتوسطة، والتي كانت الداعم الأكبر لمشروع النازية، بسبب ما وجدت فيه من مخِّلص ومنقذ لمعاناتها، ونستطيع أن نلاحظ الجوانب التسلطية بوضوح في شخصية هتلر، فهو يتمتَّع بميول سادية عنيفة تدفعه إلى امتلاك القوة لإخضاع الأمة حوله، ورغم إعجابه بالجماهير فهو يحتقر سهولة انقيادها.
ودائمًا ما تغلَّف أهداف تلك الحركات بتبريرات لاعقلانية تسوِّغ أطماعها، مثل أنها حركة دفاع ضد ظلم الآخرين بعد معاهدة فرساي، واتخاذها الداروينية الاجتماعية حجر أساس لرؤيتها للأفراد، فالضعفاء يضحُّون بأنفسهم في سبيل خدمة حضارة عرق أعلى يقود البشرية نحو الكمال، بالإضافة إلى نزعها قيمة الفرد فأصبح لا يمثِّل أي شيء بمفرده، ولكن يستمد قيمته من الانتماء والتضحية في سبيل أمة عظيمة.
ومن اللافت أن النازية خلقت تسلسلًا هرميًّا يشبع كلًّا من الميول السادية والمازوخية في المجتمع، فكل فرد يخضع لأحد أعلى منه ويخضع من أسفله، إضافةً إلى شعوره بالعظمة والأمان لانتمائه إلى كيان كبير، بينما تخضع قمة الهرم إلى قيود باطنية مثل القدر أو الله أو التاريخ والطبيعة.
الفكرة من كتاب الخوف من الحرية
تعدَّدت المؤلفات التي تناولت الحرية كأقدم إشكالية حاولت الفلسفات المختلفة الإجابة عنها، فهل هي حق مكتسب فطريًّا بولادة الإنسان؟ وما أنواعها وحدودها؟ وكيف يتنازل كثير من الأفراد عن حريتهم ويقدِّمونها قربانًا ليخضعوا لسلطة ما؟ والأهم ما معنى الحرية بالنسبة للإنسان الحديث؟
مؤلف كتاب الخوف من الحرية
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية، وعانى كثيرًا في طفولته، وفي عام 1922م نال الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل في مصحَّة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوَّجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
يركِّز فروم في أفكاره على تحليل ووصف وانتقاد الظروف السيكولوجية والاجتماعية وما يتقاطع معهما من ظروف اقتصادية وسياسية تشكِّل الإنسان الحديث وطبقات المجتمع، ويعدُّ “جوهر الإنسان”، و”المجتمع العاقل”، و”الخوف من الحرية” من أفضل كتبه.
معلومات عن المترجم:
مجاهد عبدالمنعم مجاهد: صحفي ومترجم مصري ولد في القاهرة عام 1934م، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وتدرَّج في العمل الصحفي حتى أصبح نائبًا لرئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وأصبح خبيرًا ثقافيًّا بجريدة الأهرام المصرية، ألَّف العديد من الكتب في الفلسفة وعلم الجمال والنقد الأدبي، وترجم كتبًا أخرى أشهرها لفروم مثل “فن الحب”، و”الخوف من الحرية”، تُوفِّي عام 2021م.