تطوُّر الحرية
تطوُّر الحرية
لفهم جذور إشكالية الحرية السلبية يجب العودة إلى العصور الوسطى، التي كانت تتصف بنقص عام في الحرية والثبات الاجتماعي للطبقات، فمن النادر أن يدقَّ الثراء المفاجئ باب أحد، بل حتى توزيع الثروات المختلفة تتولَّاها الروابط الاجتماعية عن طريق الزواج أو الوراثة، وهذا ما منح الأفراد الأمان وساعدهم على تحقيقهم لطموحاتهم المحدودة، وإدراكهم الواقع لذواتهم عن طريق وساطة تلك الروابط الاجتماعية الأولية.
ولكن مع التغيُّر التدريجي للنظام الاقتصادي تغيَّر النظام الاجتماعي، وظهرت طبقة جديدة وهي التجار، وتدمير نظام الأراضي الإقطاعي، وبدأ الفرد يتحرَّر من الروابط الاجتماعية بأسرته وطبقته، ويدخل في عملية من الصراع للحصول على النفوذ والقوة لتحقيق تطلُّعاته ومطامعه التي أصبحت متطرِّفة، ما أدى إلى فساد العلاقات الاجتماعية وغياب المعنى والسعي المحموم وراء الشهرة لتعويض ذلك النقص.
مع بداية تنامي دور رأس المال في الصناعة والتجارة والحرف، نشأت النقابات العمالية محاوِلة منح الأفراد بعض الأمان الذي فقدوه، عبر تمثيله وإيهامه بالدفاع عنه، وأنه يقوم بدور مؤثر في اختيار من يقوده وسياسات عملها، ولكنها سرعان ما انحرفت عن أهدافها، وأصبحت منظومات منفصلة لها غايات خاصة بها، وانتقل مفهوم العمل كخلق وفضيلة يمثل جانبًا واحدًا من الحياة الشخصية له معنى، إلى هدف مجرد مرتبط بمدى فاعلية تحقيقه الربح بأي وسيلة بغض النظر عن أي قيمة يضيفها.
بالانتقال إلى عصر الإصلاح والنهضة، ظهرت أديان كاللوثرية والكالفينية كنتيجة لما عايشته الطبقة المتوسطة من مشاعر ومخاوف بسبب تلك التغيرات، ولعبت دورًا رئيسًا في تعزيز الخضوع لسلطة غيبية عليا متمثِّلة في الإله أو القدر أو الطبيعة، عبر التركيز على شر الإنسان وخطيئته، والتأكيد المستمر لعجزه ولا جدوى محاولاته للخلاص، وأنه يجب أن يوقن بإرادة الله المنعكسة في اختياره للأفراد الذين ينالون الخلاص وحدهم ومن حقَّت عليهم الشقاوة، ومن علامات هذا: الفاعلية والنجاح المادي الدنيوي.
كل تلك العوامل أورثت شعورًا كبيرًا بالاستياء والقابلية للعدوان في نفوس الأفراد، واستعداده التام للخضوع عند أقرب مستبد أو متمثِّل في دور الإله.
الفكرة من كتاب الخوف من الحرية
تعدَّدت المؤلفات التي تناولت الحرية كأقدم إشكالية حاولت الفلسفات المختلفة الإجابة عنها، فهل هي حق مكتسب فطريًّا بولادة الإنسان؟ وما أنواعها وحدودها؟ وكيف يتنازل كثير من الأفراد عن حريتهم ويقدِّمونها قربانًا ليخضعوا لسلطة ما؟ والأهم ما معنى الحرية بالنسبة للإنسان الحديث؟
مؤلف كتاب الخوف من الحرية
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية، وعانى كثيرًا في طفولته، وفي عام 1922م نال الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل في مصحَّة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوَّجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
يركِّز فروم في أفكاره على تحليل ووصف وانتقاد الظروف السيكولوجية والاجتماعية وما يتقاطع معهما من ظروف اقتصادية وسياسية تشكِّل الإنسان الحديث وطبقات المجتمع، ويعدُّ “جوهر الإنسان”، و”المجتمع العاقل”، و”الخوف من الحرية” من أفضل كتبه.
معلومات عن المترجم:
مجاهد عبدالمنعم مجاهد: صحفي ومترجم مصري ولد في القاهرة عام 1934م، حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وتدرَّج في العمل الصحفي حتى أصبح نائبًا لرئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وأصبح خبيرًا ثقافيًّا بجريدة الأهرام المصرية، ألَّف العديد من الكتب في الفلسفة وعلم الجمال والنقد الأدبي، وترجم كتبًا أخرى أشهرها لفروم مثل “فن الحب”، و”الخوف من الحرية”، تُوفِّي عام 2021م.