صراع الثقافة والإدارة
صراع الثقافة والإدارة
تعرف الثقافة بالعديد من التعريفات المختلفة، ولكن يمكن وصفها بشكل عام أنها مجموع ما يوجِّه الفكر والسلوك البشري، ناحية مقاصد معيَّنة، مهتمَّة بالنيات والجانب الأخلاقي والجمالي، يختار الفرد اتِّباعها طواعية، بل ويؤثر فيها، ولا تنظر الثقافة إلى العالم بعين راضية، فمن الممكن دائمًا تحسينه، وهو الهدف المشترك بينها وبين الإدارة، التي توجِّه إجبارًا الأفراد، ولا تهتم بالمعايير القيمية، وتتحكَّم المؤسسات الاقتصادية والسياسية بالأدوات.
ومن هنا نشأ الصراع بين الثقافة والإدارة، فالمديرون أكثر وصولًا إلى الجماهير وسيطرة على أدوات الاتصال التكنولوجية، ولكنهم يفتقدون الرؤية الكاملة ولا يتمتَّعون بأي قيم، ولا يهمهم غير التقدم الكفؤ المادي، بينما المثقفون يحتاجون بشدة الوصول إلى الجماهير لممارسة دورهم في توسيع دائرة اهتمام الأفراد عن لحظاتهم الحالية وذواتهم الضيقة.
فتعلم الطرفان التعايش جنبًا إلى جنب، خصوصًا عندما احتاجت الإدارة لفترة ما استخدام الثقافة كأداة لزرع ما يريدون، ولكن حتى تلك الصورة ولَّى زمنها، فالثقافة كغيرها من القيم في عصرنا الحديث خضعت لمركزية السوق، واتبعت معايير الاستهلاك المتمثِّلة في الإشباع الفوري وقابلية المقارنة وسهولة التخلص، وتم تفريغها من أي معنى رسالي أو قيمي، فالهدف منها هو الربح.
فاعتماد الكتب الكلي على المبيعات والتسويق، جعل قيمة الكتاب تساوي قيمته التسويقية، والربح هو الهدف الوحيد، وتتشكَّل الاهتمامات وتتغير القضايا والتوجهات السائلة بسرعة حسب اهتمامات المستهلكين لإرضائهم، فالمقدم لهم ثقافيًّا هو ما يريدونه لا ما يحتاجون إليه.
الفكرة من كتاب الحياة السائلة
عند الحديث عن مصطلحات كبيرة وغامضة مثل الحداثة وما بعدها والأنماط الاستهلاكية والقوى العولمية، يخيَّل إلى الأذهان أنها قضايا ليست مهمة بالنسبة لنا، ولا صاحبة تأثير في حياتنا اليومية كأفراد، وهذا خطأ شائع كفيل بتدميره قراءة أي كتاب لزيجمونت باومان، لنتيقَّن أن تلك المصطلحات والقضايا التي نهرب منها هي ما يشكِّل تفاصيل يومنا وأغلب أفعالنا إن لم تكن جميعها.
في كتاب “الحياة السائلة” يُناقش باومان عدَّة قضايا: مثل الحرية الفردية وصراعها مع الأمان ورغباتنا كأفراد، والظروف التي ينشِّئ فيها المجتمع أفراده، وكيف تتغيَّر باستمرار تبعًا للسوق، وما الذي ينالنا من آثار سلبية جرَّاء العولمة، وكيف يتحكَّم الخوف في أدق تفاصيل سلوكياتنا كاختيار المسكن والمنتجات التي نستهلكها.
مؤلف كتاب الحياة السائلة
زيجمونت باومان: بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد عام 1925م ببولندا سكن إنجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه العدائية عن الصهيونية، اهتمَّ في كتاباته بتحليل ونقد الاستهلاكية وقضايا الحداثة وما بعدها وتأثيرات حركة العولمة، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله “الثقافة السائلة”، و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”، و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين”، و”الشر السائل: العيش مع اللابديل”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد”، وترجم كتبًا مثل “الشر السائل: العيش مع اللابديل”، و”الحب السائل”.