الحرية الفردية
الحرية الفردية
قبل قرنين من الزمان، كان للمجتمع والروابط الاجتماعية الأصيلة بين أُسَرِه دورها في توجيه الأفراد إكسابهم الهوية والتعريف اللازم بشخصهم وبما يطلب ويتوقَّع منهم، وغيرها من الأشياء الضرورية للاندماج والتوافق مع البيئة الاجتماعية المحيطة بهم، ومع تقدُّم الوقت ونمو النزعة الفردية الحديثة بسبب الكثير من العوامل، فقد المجتمع دوره التنظيمي وتمركز الأفراد حول مشاعرهم، وأصبح الهم الأكبر ممارسة الاختيار الحر الذي سيحقِّق نزعة التفرُّد والتميُّز للشخص عمَّن حوله.
وبقدر ما كانت الحرية المطلقة وهمًا طفوليًّا بالنظر إلى القيود التي تتحكَّم بالواقع، فإننا نرى بوضوح أن تلك القيود التي كانت تحكم الأفراد في الماضي تحرَّروا منها لقيود متغيِّرة في أشكال اقتصادية، مثل عبودية أنماط الاستهلاك والنزعة الفردية، فالمجتمع الذي كان يمنع الأفراد من أفعال معينة في الماضي أصبح يدفعهم كلهم وبقسوة إلى التميز.
وتحت تلك الضغوط وغياب المعنى يحفِّز وهم التفرُّد بالسلع الاستهلاكية، وأمسك القادرون ماديًّا بزمام التفرُّد والتميُّز، وحرم منه العاجزون عن مواكبة التغيير المستمر وسيولة السوق والعمل، الذي فشلوا في التخلِّي عن ماضيهم وهويتَّهم الصلبة للتماهي مع أوامر السوق.
تخوض الحرية صراعًا مستمرًّا مع رغبة الفرد في الشعور بالأمان، وإذا طغت أهمية إحداهما على الأخرى فإن عواقبها وخيمة تصيب المجتمع، وهذا ما يستغلُّه المستبد إذا وجد غيابًا للأمن في مجتمع ينشد الحرية، ولكنه لا يمكن أن يحافظ عليها في ظل أجواء متعطِّشة للأمان.
الفكرة من كتاب الحياة السائلة
عند الحديث عن مصطلحات كبيرة وغامضة مثل الحداثة وما بعدها والأنماط الاستهلاكية والقوى العولمية، يخيَّل إلى الأذهان أنها قضايا ليست مهمة بالنسبة لنا، ولا صاحبة تأثير في حياتنا اليومية كأفراد، وهذا خطأ شائع كفيل بتدميره قراءة أي كتاب لزيجمونت باومان، لنتيقَّن أن تلك المصطلحات والقضايا التي نهرب منها هي ما يشكِّل تفاصيل يومنا وأغلب أفعالنا إن لم تكن جميعها.
في كتاب “الحياة السائلة” يُناقش باومان عدَّة قضايا: مثل الحرية الفردية وصراعها مع الأمان ورغباتنا كأفراد، والظروف التي ينشِّئ فيها المجتمع أفراده، وكيف تتغيَّر باستمرار تبعًا للسوق، وما الذي ينالنا من آثار سلبية جرَّاء العولمة، وكيف يتحكَّم الخوف في أدق تفاصيل سلوكياتنا كاختيار المسكن والمنتجات التي نستهلكها.
مؤلف كتاب الحياة السائلة
زيجمونت باومان: بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد عام 1925م ببولندا سكن إنجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه العدائية عن الصهيونية، اهتمَّ في كتاباته بتحليل ونقد الاستهلاكية وقضايا الحداثة وما بعدها وتأثيرات حركة العولمة، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله “الثقافة السائلة”، و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”، و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين”، و”الشر السائل: العيش مع اللابديل”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد”، وترجم كتبًا مثل “الشر السائل: العيش مع اللابديل”، و”الحب السائل”.