الدولة والشر السائل
الدولة والشر السائل
تحلُّ الدولة الحديثة على نموذج هوبز محل الإله في العلمانية، مغيِّرة من شكل العلاقات الأخلاقية والمعايير حسب مصالحها، ولم يعد الشر مقتصرًا على ما تمارسه من عمليات قمع وقتل وحروب، بل سيولته أدت إلى انتقاله من الصورة المركزية إلى الجماهيرية، عبر وسائل التكنولوجيا وانتشار احتراف استخدامها، حتى سيطر الشر على تفاصيل الحياة اليومية.
من ضمنها ممارسة وسائل الإعلام المختلفة غسيل الأدمغة عبر طقس رمزي لنقل المتفرج من نقطة إلى أخرى داخل إطار محدَّد لا يمثل خطرًا أو تهديدًا على الوضوح السائد، ولذلك ينفق الكثير من الأموال لحشد وتوجيه الجماهير ناحية قضايا مختارة سلفًا موافقة كما وضحنا سابقًا لأيديولوجيتنا وانتقائنا الأخلاقي، فليست كل الدول والشعوب تستحق التعاطف أو الدعم في ظروفها الصعبة أو مآزقها، ورغم ذلك في الحالة الطبيعية تتسم الصور والمعلومات التي تنقلها لنا وسائل الإعلام بالفوضوية.
إضافةً إلى سيطرة النزعة الأمنية التكنولوجية على جميع المجالات في شكل إجراءات أمنية شاملة في المطارات والاستادات وغيرها من أماكن التجمُّع الجماهيرية في رسالة واضحة للجميع أننا مراقبون سواء كنا بمفردنا أو في تجمُّعات، وإخضاع دول لأخرى بالقوة الاقتصادية والتكنولوجية لدرجة تعجيزها، ويسيطر البؤس على أفرادها، ما ينتج ردة فعل عنيفة تصل إلى حد ظهور الإرهاب.
وهذا لا يتم إلا في مناخ من الدعاية السياسية التي تضلل العقول وتنشر الكراهية والخوف اللازمين لإجبار الأفراد على اتباع السلطة دون تفكير.
الفكرة من كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
ما هو الشر؟ سؤال رغم بساطة صياغته فإنه يمثِّل معضلة صعبة، فلطالما كان الشر مرتبطًا في نظر الأديان والشرائع القديمة بالشيطان وأفعال الإنسان عندما يضل عن طريق الحق، أي أنه كان صلبًا محدَّد الشكل والملامح، تستطيع تمييزه من الخير، وتبعًا لذلك تنقسم رؤية العالم إلى أبيض وأسود، خير وشر، ولكن ماذا نفعل إذا تمَّت إسالة هذه الكتلة الصلبة، وبدأت في السريان والتغلغل في أدق التفاصيل والسلوكيات اليومية؟
هذا ما وصل إليه الشر في عالمنا الحديث، فبعد إنكار وجود الإله سقطت الأخلاق المتجاوزة للمادة وخصوصية الإنسان، واتخذ الشر السائل صورًا متعددة، وأصبح أكثر تأثيرًا في حياة الأفراد والشعوب، فما هي تلك الصور؟ وما طبيعة الشر السائل، وما هو الاختلاف بينه وبين الشر الأخلاقي القديم؟ هل عالمنا يدفعنا إلى الغرق في المزيد من الشر؟ وما البديل الذي أمامنا؟ بل وهل هناك بديل مطروح من الأساس؟
مؤلف كتاب الشر السائل: العيش مع اللابديل
زيجمونت باومان: بروفيسور علم الاجتماع من جامعة ليدز، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، طرد من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، واستقر في إنجلترا منذ عام 1971م، وله عائلة مكوَّنة من ثلاث بنات.
تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، وذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله: “الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية”.
ليونيداس دونسكيس: منظِّر سياسي وأستاذ جامعي وفيلسوف، ولد في عام 1962م بليتوانيا، عمل في جامعة فيتاوتاس الكبير ببلاده، وتولى منصب عضو الاتحاد الأوروبي منذ 2009م إلى 2014م، توفي عام 2016م بسبب نوبة قلبية، من أشهر أعماله: كتاب “السلطة والخيال”.
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر: أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وله العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبدالوهاب المسيري”، و”سيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل: “عن الله والإنسان”، و”الحب السائل”.