ميدان جمال الدين.. نحو مشروع أممي
ميدان جمال الدين.. نحو مشروع أممي
لم يكن الشيخ محمد عبده من هذا النوع الذي يُميته الهدوء، بل من طبيعته ألا يرضى به ويستغل قدراته الى أقصاها، رأى الشيخ في منصبه الجديد وسيلة للاتصال بالمجتمع، وقد وُثِّقت في عهده قضايا يظهر منها منهجه وطريقته التي قصد أن يظهرها من خلال أحكامه، وقد أدرك الشيخ حاجته إلى دراسة القانون الفرنسي ليحيط بجوانب القانون المدني الغربي، فشرع في دراسة اللغة الفرنسية بطريقة مبتكرة، تعتمد على السماع والممارسة أكثر من حفظ الكلمات والقواعد، ليخرج منه طور المعلم والمدرس خارج ميدانهما رغمًا عنه.
لا شك أن أثر السيد جمال الدين الأفغاني كان كبيرًا في تلميذه محمد عبده، فقد احتواه وهو فتى منقطع عن الناس، غير مُدرك لأساليب الحياة وألاعيب السياسة ومكتفيًا من العلم بجانبه النظري، فأخذه جمال الدين إلى رحابة الدنيا وأجرى لسانه مرة أخرى مع الناس، وأظهر له الجوانب التطبيقية للعلوم وآثارها خارج الكتب وقدرتها على الإصلاح وتغيير المجتمعات، وكان مذهب جمال الدين في الإصلاح والتغيير مذهبًا سياسيًّا، حيث تجتمع أهدافه في أولي الأمر وأعمدة الدولة، يساند هذا الأمير أو ذاك لرؤيته شيئًا من الصلاح في طباعه، ولما دعم الخديوي توفيق ضد أبيه إسماعيل، لم يمهله توفيق لخوفه من جريرة فعلته ونفاه إلى باريس، على أن جمال الدين لم يهمل الخديوي ولا الإنجليز وأسَّس مع تلميذه محمد عبده الذي سيُنفى أيضًا بعد الثورة العرابية، صحيفة “العروة الوثقى” التي ستشتد في مهاجمة الاستعمار على العالم العربي بشكل عام، ثم تم منع هذه الصحيفة في البلاد العربية، وعاد الشيخ محمد عبده من باريس إلى بيروت وقد زاد كرهه للسياسة وتأكد من عقم هذا النوع من الإصلاح وقد عاين تجربة أستاذه وشتاته، ورأى مآل الثورة العرابية.
الفكرة من كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
الأستاذ محمد عبده الإمام المُجدِّد والأديب المُصلح، هو من تلك الشخصيات التي تترك أثرها أينما ذهبت، وتصبغ زمنها بطبيعتها ولا يعود المجتمع بعدها كما كان قبلها، شاء الله أن يُعاصر الإمام محمد عبده عصر السياسة في تاريخ مصر الحديث، وأن يستشف الخفي منها في بواكير حياته، حتى ينفر منها كليةً، ويدخل إلى ميدان آخر سيشهد على أثره، ويؤدي فيه الإمام ما عليه لدينه ودنياه، هنا يركِّز الأستاذ العقاد بشدة على أحوال العصر الذي كان فيه الإمام، ليوضِّح العواقب التي اضطر إلى مجابهتها، والفارق الذي أحدثه فيه بحركته ونشاطه.
مؤلف كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889 م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعدَّ في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلَّم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته، وانتُخِب كنائب للبرلمان ثم سجن تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرِفَت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره مثل: الرافعي وطه حسين، وقد أسَّس مع عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
للعقاد العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.