رحلة الإنسان
رحلة الإنسان
تبدأ الرحلة مبكرًا وبعيدًا هناك حيث لا أحد، حيوان منوي التقى ببويضة كانت تنتظره فكونا معًا نقطة دم صغيرة جدًّا لا يتوقع أحد أنها بمرور الأيام والأسابيع والشهور ستنمو وتنمو حتى تصبح جنينًا مكتملًا يركل بقدميه رحم أمه منهيًا علاقته به.
هذه الرحلة العجيبة رحلة الإنسان الذي يبدأ نطفة ثم يخرج طفلًا صغيرًا ضعيفًا يحتاج إلى رعاية وعناية بالغة حتى يستقيم عوده ويبلغ أشده، ثم يؤول إلى الضعف مرة أخرى حين يبلغ الشيخوخة، ولأجل ذلك كله كانت العناية والتكريم الرباني بهذا الإنسان واضحة وشاملة لكل مراحل حياته لا تجد ذلك في النظريات النفسية الغربية المتضاربة والمتجددة، لأنها تنطلق من فهمها المختلف للإنسان، في حين أن التشريع الرباني ينطلق من معرفته سبحانه بطبيعة خلقه.
تبدأ العناية الربانية من أسس اختيار شريك الحياة، ثم العناية بالأم حين حملها والتخفيف عنها بعد ولادتها بسقوط بعض التكاليف الشاقة عليها وقتها، ثم العناية بالجنين نفسه بدءًا من اسمه وتغذيته وتغذية الأم نفسها قبل وأثناء الحمل، وتجد أن أمرًا فطريًّا وطبيعيًّا جدًّا كالرضاعة له حضور كبير وأحكام تشريعية مبهرة، لماذا؟ لاحتياج الطفل إليها ولِتُراجع الأم نفسها مئة مرة قبل أن تفكر في منع لبنها عن ابنها او استبدال اللبن الصناعي به، كثير من الأمهات اليوم يستسهلن ذلك ولو علمن ما في اللبن الطبيعي من فوائد غذائية وما للرضاعة من آثار نفسية وعاطفية في الطفل لما فكرن في ذلك أبدًا، فللرضاعة الطبيعية دور في منع الحمل وفقدان الوزن للأم والتقليل من خطر إصابتها بمرض السكر من الدرجة الثانية!
وبهذا يبدأ الطفل في النمو وقطع مراحله العمرية المختلفة وتنمو أعضاؤه معه بحسب احتياجاته، ففي البداية تكون حاسة السمع واستجاباته للأصوات قوية وواضحة بخلاف حاسة البصر، ومع الوقت يمكننا استغلال صفاء ذهنه وبداية تعرفه على العالم من حوله في تعليمه المهارات المناسبة التي تساعده على النمو بكفاءة، كالرياضة البسيطة وتعلم لغة أخرى غير اللغة الأم مع الزيادة من حصيلة مفردات لغته الأم بالطبع وذلك من خلال حديث الوالدين معه، ومن خلال الإجابة على أسئلته الكثيرة التي يكون غرضه منها اكتشاف العالم من حوله، تمامًا كما كان يضع كل ما يقع تحت يديه في فمه في صغره، ومع الوقت ومع ما نقدمه لهم ومايتعلمونه من مهارات وأدوات ومع ما يحيط بهم في عالمهم الخارجي تبدأ شخصياتهم في التكون وتتضح طباعهم شيئًا فشيئًا وتبلغ ذروتها في فترة البلوغ، ويصبح قادرًا على اكتشاف العالم من حوله بأدوات أخرى كالخيال والأفكار المجردة، وعلى الرغم مما في هذه المرحلة من حيرة وتقلب مزاج وتغيرات جسدية وتصرفات طفولية وحساسية تجاه الأوامر والنقد وتصورات مثالية شديدة، لكنها في النهاية تبقى مرحلة انتقالية إلى عالم الرشد الذي يستمر حتى يكتمل في سن الأربعين ومنه يعود الإنسان مرة أخرى إلى مرحلة الضعف والهرم.
الفكرة من كتاب التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية
لا ملل ولا تعب من تكرار التأكيد والتنبيه على أهمية تكوين الأسر وبنائها على أساس قويم متين، وما نشهده اليوم في العالم من حولنا ما هو إلا تداعيات وثمار أسر هوت منذ سنين، أسر أسست بنياها على الحافة فانهارت وانهارت معها قيم المجتمع السليمة وأعرافه الأصيلة بل ودينه القويم!
إن بناء الإنسان أشرف وأخطر بناء على وجه الأرض، وما تكريمه ورفعته إلا من جهة ذلك، فإن أضعنا وعطلنا أصل التكريم والتشريف فقد قضينا على الإنسانية بدم بارد، بل وقضينا وأفسدنا الكون كله المسخر أصالة لخدمة ذلك الإنسان وتسهيل حياته، الخلاصة: إن فسدت الأسرة فسد الإنسان وبفساده يفسد الكون كله!
مؤلف كتاب التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية
هشام يحيى الطالب، حاصل على البكالوريوس والدكتوراه في الهندسة الكهربائية، شغل مناصب عدة في منظمات إسلامية مختلفة ونظم العديد من دورات التدريب القيادي داخل وخارج أمريكا وله عدة مؤلفات منها: “ميثاق الشرف الدعوي”، و”دليل التدريب القيادي للعاملين المسلمين”.
عبد الحميد أحمد أبو سليمان، حاصل على الماجستير في العلوم السياسية وعلى الدكتوراه في العلاقات الدولية، شغل عدة مناصب هامة منها الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وله العديد من المؤلفات المعنية بإصلاح المجتمع الإسلامي منها: “أزمة العقل المسلم” و”إحياء التعليم العالي في العالم الإسلامي”.
عمر هشام الطالب، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة شيكاجو، عمل في عدة مناصب وكتب العديد من الأبحاث عن الأسرة والتربية وله حضور في العديد من المؤتمرات الدولية في أنحاء العالم.