الأسرة بين الشرق والغرب
الأسرة بين الشرق والغرب
على الرغم من الأهمية البالغة لتكوين الأسرة على مستوى الجنس البشري كافة، فإن وجود تلك الأهمية لا يضمن لنا نتائج تلك العملية وبخاصة في المجتمعات المتحررة والمهزوزة دينيًّا واجتماعيًّا، سواء في ذلك الشرق والغرب، إلا أن وضوحه لدى الغرب أكثر لطبيعة المجتمعات الغربية نفسها، وطبيعة تصوراتها ونظرتها إلى الفرد والمجتمع والكون، في الإسلام مثلًا، نجد أنه أعلى من قيمة الأسرة وتكوينها إعلاء في الأصل من قيمة الإنسان نفسه، ونجده أيضًا وضع كل شيء في نصابه الصحيح، فالأسرة لا تتقدم على الدين ولا على العلاقة بالخالق، والسعادة الدنيوية والمتعة الآنية ليست هي الغاية ولا الأولوية، أضف إلى ذلك وضوح أدوار كل من الأم والأب وما لهما وما عليهما من حقوق وواجبات وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأبناء، بل وتمتد الأسرة في الإسلام لتشمل الأصول والفروع أيضًا وتحدد أدوار الجميع، وتكلل هذه المنظومة الشمولية بتشريع الطلاق الذي قد يكون في بعض الأحيان نهاية لتجربة مريرة.
ماذا عن الغرب؟ بداية ولتاريخ قريب كانت فكرة الطلاق فكرة مرفوضة غير حاضرة على الساحة وبخاصة في الأوساط المتدينة، هذا في نطاق صغير جدًّا أما النطاق العام والغالب والمؤثر بشكل واسع هو فكرة الحرية اللا محدودة، التي تنسحب على أمور كثيرة كالجنس وشيوعه بين الشباب والمراهقين في المدارس بل وحتى المتزوجين، أعني بذلك الخيانة الزوجية، إضافة إلى المخدرات واستعمال السلاح “المرخص” وحالات الانتحار ونحو ذلك، وعندما تنظر إلى الإحصائيات والبيانات تجد أن هذا كله من آثار للتربية، ستتعجب عندما تقرأ عن وجود علاقة بين متابعة الأفلام والمسلسلات وبين حالات الانتحار والتعدي على الآخرين، أيضًا وجود علاقة بين التفكك الأسري أو ما يُسمى بالأسرة الأحادية الوالد وبين حالات الاغتصاب وممارسة الجنس والعري، ستتعجب أكثر حين تعرف أن بعضًا من تلك الممارسات مسموح به داخل تلك المجتمعات بل ويروّج له ويتم التنمر بمن أنكره أو لم يقم به، أبسط وأعجب مثال على ذلك توزيع الواقي الذكري في بعض الكنائس على الشباب غير المتزوجين وفي المدارس على المراهقين مجانًا!
ليست هذه كل الصورة، جزء يسير من الصورة تحتله الأسر النصرانية الملتزمة بتعاليم دينها في منازلها والمحافِظة على الشعائر الدينية في الكنيسة، وبسبب الهيمنة الغربية اليوم على شتى الأصعدة وخصوصًا الصعيد الإعلامي فإن جزءًا لا بأس به من تلك الثقافات نقل إلى البلاد الشرقية فتأثرت بذلك، فلم تفلتر ما جاء من هناك فكانت النتيجة أن لبست عباءة لا تناسبها وأصبحنا اليوم نتعثر في آثارها.
الفكرة من كتاب التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية
لا ملل ولا تعب من تكرار التأكيد والتنبيه على أهمية تكوين الأسر وبنائها على أساس قويم متين، وما نشهده اليوم في العالم من حولنا ما هو إلا تداعيات وثمار أسر هوت منذ سنين، أسر أسست بنياها على الحافة فانهارت وانهارت معها قيم المجتمع السليمة وأعرافه الأصيلة بل ودينه القويم!
إن بناء الإنسان أشرف وأخطر بناء على وجه الأرض، وما تكريمه ورفعته إلا من جهة ذلك، فإن أضعنا وعطلنا أصل التكريم والتشريف فقد قضينا على الإنسانية بدم بارد، بل وقضينا وأفسدنا الكون كله المسخر أصالة لخدمة ذلك الإنسان وتسهيل حياته، الخلاصة: إن فسدت الأسرة فسد الإنسان وبفساده يفسد الكون كله!
مؤلف كتاب التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية
هشام يحيى الطالب، حاصل على البكالوريوس والدكتوراه في الهندسة الكهربائية، شغل مناصب عدة في منظمات إسلامية مختلفة ونظم العديد من دورات التدريب القيادي داخل وخارج أمريكا وله عدة مؤلفات منها: “ميثاق الشرف الدعوي”، و”دليل التدريب القيادي للعاملين المسلمين”.
عبد الحميد أحمد أبو سليمان، حاصل على الماجستير في العلوم السياسية وعلى الدكتوراه في العلاقات الدولية، شغل عدة مناصب هامة منها الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وله العديد من المؤلفات المعنية بإصلاح المجتمع الإسلامي منها: “أزمة العقل المسلم” و”إحياء التعليم العالي في العالم الإسلامي”.
عمر هشام الطالب، حاصل على الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة شيكاجو، عمل في عدة مناصب وكتب العديد من الأبحاث عن الأسرة والتربية وله حضور في العديد من المؤتمرات الدولية في أنحاء العالم.