مُشكلات العالم المُعاصر
مُشكلات العالم المُعاصر
يرتبط العلم ارتباطًا وثيقًا بالحياة الاجتماعية للعصر، فالكشوفات العلمية تعبِّر عن حاجة المجتمع، وبنفس الوقت المجتمع يحتاج إلى العالِم ذي العبقرية الذهنية للكشف العلمي، ومن حسن الحظ لا يخلو عصر من وجود عباقرة، ولكن يجب أن يظهروا في الوقت المناسب وتكون الظروف الاجتماعية مهيَّأة لذلك حتى لا تكون اكتشافاتهم طي النسيان، مثل ابن خلدون الذي توصَّل إلى علم الاجتماع، ولكن لم يكترث له أحد أو يكون له تلاميذ يكملون رحلته، لأنه ظهر بوقت بداية الانهيار في الحضارة الإسلامية.
أما بالنسبة للوضع الاجتماعي الحالي فهو يواجه العديد من المشكلات المتنوِّعة، وهنا نضع على العلم عبء حل جميع المُشكلات.
فمشكلة نقص الغذاء، سواء في كميته أو تنوعه، تلقي الرأسمالية اللوم فيها على الزيادة السكانية وحدها وبالبلاد الفقيرة بخاصة، دون النظر في السياسات المتبعة بالدول الغنية التي تقلل إنتاجها الزراعي عمدًا للحفاظ على سعره بالسوق، وكذلك انتشار الأمية والفقر نتيجة لما ورَّثه الاستعمار بالدول الفقيرة!
ولذلك يجب تسخير العلم في استزراع المناطق الصحراوية، وإسقاط المطر الصناعي، واستخلاص قيمة غذائية من طحالب البحار، مع الأخذ في الاعتبار أمر تنظيم النسل.
ويعاني العالم كذلك من مشكلة الموارد الطبيعية، من البترول والمعادن التي تنفد باستطراد مع التوسع الصناعي، فلذلك يقوم العلم على البحث عن مصادر بديلة مثل الطاقة الذرية والشمسية، واستغلال الخامات الموجودة بالمحيطات وباطن الأرض أو حتى من الفضاء!
وللأسف هناك مُشكلات أخرى نواجهها وبخاصةٍ بالتوازن البيئي وأسلحة الدمار الشامل، والتغيير في الجينات وغيرها، لذلك نحن نحتاج إلى العلم وإلى علماء يمتازون بصفة الموضوعية، وتلك الصفة بالغة الأهمية لها عدَّة جوانب: أولها الروح النقدية، وهي عدم تأثر العالِم بالمسلَّمات الموجودة أو الشائعة، وكذلك ينقد نفسه، ويعترف بالخطأ مهما كان الاعتراف أليمًا، ويتقبَّل النقد من الآخرين.
وثاني جوانب الموضوعية هو النزاهة، حيث لا ينسب العالِم شيئًا استمده من غيره إلى نفسه، وأن يستبعد العوامل الذاتية من عمله العلمي سواء إن كانت مصالح أو ميولًا أو اتجاهاتٍ شخصية، وأن يكون ساعيًا إلى الحقيقة وحدها، ولا يجعل هدفه تكديس الأموال فقط، وآخر جانب الحياد، فلا ينحاز في أي نزاع فكري أو علمي إلى طرف مُعيَّن.
الفكرة من كتاب التفكير العلمي
في عصرنا الحالي نجد ثغرة كبيرة بين عالمنا العربي والعالم المتقدِّم، فبعد أن كانت الحضارة الإسلامية في العصر الذهبي سابقة النهضة الأوروبية بقرون عديدة، أصبح اليوم مفكِّرو العالم العربي يخوضون معارك ضارية من أجل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي، وكذلك لا ينفكُّ البعض عن الزهو بذلك الماضي المجيد دون الأخذ بأسلوبهم العلمي، فلذلك لا سبيل لتحقيق النهضة في وطننا العربي إلا باتباع العقلية العلمية، وهي لا تخصُّ العلماء وحدهم، ولا تتطلَّب معرفة كل ما توصَّلت إليه البشرية حتى وقتنا الحالي أو معالجة مشكلة متخصِّصة بمجال علمي ما، بل هي طريقة للنظر في الأمور بشكل عقلاني والابتعاد عن اتباع العفوية.
إذن ما هو التفكير العلمي؟ وما هو تاريخه؟ وكيف نفكِّر مثل العلماء؟ وما علاقة العلم بمشاكلنا المعاصرة؟ سنتعرَّف على كل ذلك مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب التفكير العلمي
فؤاد زكريا: عَلَم من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس، وعمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بها.
عمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية عام 2002، وجائزةَ الدولة التشجيعية عام ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب “حكمة الغرب” لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عامًا.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
خطاب إلى العقل العربي.
دراسة لجمهورية أفلاطون.
آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة.
الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل.