عراقيل أمام التفكير العلمي
عراقيل أمام التفكير العلمي
لم يظهر العلم بشكله الحالي إلا مؤخرًا، وظل تاريخ البشرية مقتصرًا على العلوم الفنية والأدبية، المُؤثرة في دراسة العالَم المحيط بنا، والتي لمَ تتطلَّب بذل جهد مضنٍ أو قدر عالٍ من التجريد، ومن هنا نجد عدَّة عقبات أخَّرت ظهور العلم، وما زالت تشوِّه صورته عند أذهان بعض البشر، أولاها انتشار الخرافات والأساطير بما تقدمه من تفاسير تلائم طبيعة الشعب الذي يعتنقها؛ فالأسطورة تقدم تفسيرًا متكاملًا للعالم أو لبعض الظواهر، أما الخرافة فهي تتعلَّق بجزء من ظاهرة أو حادثة واحدة، ويوجد فرق آخر بينهما، حيث تعتمد الأسطورة على مبدأ “حيوية الطبيعة”، أي وصف الطبيعة بصفات الكائنات الحية، وتفسير الحوادث الطبيعية تبعًا للغايات، مثل أن سبب حدوث الزلزال هو مُعاقبة الأناس الظالمين، وتفسيرات العلم توضع على عكس ذلك وفقًا للعمليات الفيزيائية والكيميائية.
وأما الخرافة فهي تعتمد على اتجاه العقل البشري إلى التعميم السريع، مثل إيمانه بفاعلية السحر أو الخرافة من نجاح أمثلة قليلة جدًّا بالصدفة دون الاكتراث للحالات الكثيرة الأخرى التي فشل بها.
وثانية تلك العقبات هي الخضوع لسلطة تقديس الآراء القديمة الموروثة عن الأجداد، واقتصار الحكمة والمعرفة كلها عليهم، وهذا تصوُّر خاطئ، فقِدم الرأي ليس بالضرورة دليلًا على صوابه، ومثال على ذلك تقديس شخصية أرسطو، واعتبار أفكاره هي المصدر الأساسي للمعرفة، وتؤخذ بلا مناقشة، فكانت أول خطوة للنهضة في أوروبا هي التحرر من أفكاره في ميدان الفلسفة على يد ديكارت وفرانسيس بيكون، ومن ميدان العلم على يد جاليليو.
وثالثة العقبات هي إنكار قدرة العقل في تكوين المعرفة بالأدلة العلمية والوصول إلى حقيقة الأشياء مقابل قدرة الحدس أو الغريزة في الوصول إليها بشكل مباشر وسريع.
والعقبة الرابعة هي التعصُّب، بكل أشكاله سواء العنصري والقومي المتطرِّف، وذلك باحتكار الحقيقة والرأي الصواب فقط على جماعة المرء المنتمي إليها دون تفكير، وعدم تقبُّل رأي الآخرين.
وآخر عقبة هي الإعلام المضلِّل، الذي أصبح مُقتحمًا كل البيوت، ويؤثر في العقول بشكل منهجي وعلمي تبعًا لأغراض تجارية أو سياسية محضة، دون أن يشعر المشاهد أنه يُضلَّل أو تُزرع به رغبات تافهة، مما يهدم قدرته على النقد، وتجعله يحيد عن طريق التفكير العلمي.
الفكرة من كتاب التفكير العلمي
في عصرنا الحالي نجد ثغرة كبيرة بين عالمنا العربي والعالم المتقدِّم، فبعد أن كانت الحضارة الإسلامية في العصر الذهبي سابقة النهضة الأوروبية بقرون عديدة، أصبح اليوم مفكِّرو العالم العربي يخوضون معارك ضارية من أجل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي، وكذلك لا ينفكُّ البعض عن الزهو بذلك الماضي المجيد دون الأخذ بأسلوبهم العلمي، فلذلك لا سبيل لتحقيق النهضة في وطننا العربي إلا باتباع العقلية العلمية، وهي لا تخصُّ العلماء وحدهم، ولا تتطلَّب معرفة كل ما توصَّلت إليه البشرية حتى وقتنا الحالي أو معالجة مشكلة متخصِّصة بمجال علمي ما، بل هي طريقة للنظر في الأمور بشكل عقلاني والابتعاد عن اتباع العفوية.
إذن ما هو التفكير العلمي؟ وما هو تاريخه؟ وكيف نفكِّر مثل العلماء؟ وما علاقة العلم بمشاكلنا المعاصرة؟ سنتعرَّف على كل ذلك مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب التفكير العلمي
فؤاد زكريا: عَلَم من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس، وعمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بها.
عمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية عام 2002، وجائزةَ الدولة التشجيعية عام ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب “حكمة الغرب” لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عامًا.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
خطاب إلى العقل العربي.
دراسة لجمهورية أفلاطون.
آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة.
الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل.