خصائص التفكير العلمي
خصائص التفكير العلمي
في البداية دعونا نتعرَّف على خصائص التفكير العلمي، والتي ظهرت بعد عدة مراحل من التطوُّر والتغلُّب على عقبات كثيرة، ويمكن إجمالها في خمس خصائص أساسية تميِّزها عن سائر أنواع التفكير الأخرى، وتُطبَّق بمختلف الميادين، فأولى تلك الخصائص “التراكمية”، وهي تمثِّل طريقة نمو المعرفة العلمية بإضافة الجديد إلى القديم، ويحدث ذلك التراكم في اتجاهين: أولهما الاتجاه الرأسي، وهنا يستخدم العلم الظواهر التي بحث بها سابقًا كأساس يُرتكز عليه، ومن ثم يعاود البحث من منظور جديد لكشف أبعاد جديدة، فتحل نظرية علمية جديدة محل القديمة أو توسعها.
أما الاتجاه الثاني (الأفقي) فنجده في توسع العلم بالميادين الإنسانية من الفن والفلسفة وغيرها.
ومن ذلك نجد أن صفة التراكمية للحقائق العلمية تتسم بالنسبية والإطلاق في ذات الوقت، فهي نسبية لا تتوقف عن التطور من عصر إلى عصر، ومطلقة في سياقها الحالي ضمن حدود المعرفة الراهنة.
والخاصية الثانية هي التنظيم، فنحن بحاجة إلى جعل طريقة تفكيرنا منهجية منظمة بعيدًا عن العفوية والتلقائية، وذلك بالتخطيط ومحاولة إخضاع الأفكار لإرادة واعية مع الممارسة المستمرة، والمنهج العلمي يتسم بتنظيم الحقائق به، ويسير وفق نظام كذلك، فيقوم على ملاحظة الظاهرة المُراد بحثها، وبعد ذلك التجريب، ومن ثم الاستنباط العقلي لنظرية عامة والعودة إلى التجربة بهدف إثبات صحة النظرية وفقًا للنتائج.
وثالث خاصية هي البحث عن الأسباب، وذلك لفهم الظاهرة أكثر بمعرفة أسبابها، مما يتيح التحكم بها للوصول إلى نتائج عملية أفضل من استخدام الخبرة والممارسة، والبحث عن الأسباب يتيح كذلك إشباع رغبة الإنسان لتعليل كل شيء بنحو متفاوت لإجابة سؤال “لماذا؟”.
وأما الخاصية الرابعة شمولية المعرفة العلمية، أي إنها تنطبق على جميع أمثلة الظاهرة العلمية دون الاكتراث بالظواهر الفردية، وبذلك الشمول يصبح اليقين بالنظرية أمرًا موضوعيًّا مستندًا على أدلة منطقية يتقبَّلها أي عقل.
والخاصية الأخيرة هي الدقة في التعبير عن اللغة العلمية بصورة كمية، وذلك باستخدام لغة الرياضيات كالنسب المئوية، وأيضًّا تجريدها بالرموز أو الأشكال الرياضية فيزداد التحكُّم في ظواهر العالم الملموس بزيادة فهمه.
الفكرة من كتاب التفكير العلمي
في عصرنا الحالي نجد ثغرة كبيرة بين عالمنا العربي والعالم المتقدِّم، فبعد أن كانت الحضارة الإسلامية في العصر الذهبي سابقة النهضة الأوروبية بقرون عديدة، أصبح اليوم مفكِّرو العالم العربي يخوضون معارك ضارية من أجل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي، وكذلك لا ينفكُّ البعض عن الزهو بذلك الماضي المجيد دون الأخذ بأسلوبهم العلمي، فلذلك لا سبيل لتحقيق النهضة في وطننا العربي إلا باتباع العقلية العلمية، وهي لا تخصُّ العلماء وحدهم، ولا تتطلَّب معرفة كل ما توصَّلت إليه البشرية حتى وقتنا الحالي أو معالجة مشكلة متخصِّصة بمجال علمي ما، بل هي طريقة للنظر في الأمور بشكل عقلاني والابتعاد عن اتباع العفوية.
إذن ما هو التفكير العلمي؟ وما هو تاريخه؟ وكيف نفكِّر مثل العلماء؟ وما علاقة العلم بمشاكلنا المعاصرة؟ سنتعرَّف على كل ذلك مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب التفكير العلمي
فؤاد زكريا: عَلَم من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس، وعمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بها.
عمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية عام 2002، وجائزةَ الدولة التشجيعية عام ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب “حكمة الغرب” لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عامًا.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
خطاب إلى العقل العربي.
دراسة لجمهورية أفلاطون.
آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة.
الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل.