عن الخطابة وفن المُناظرة
عن الخطابة وفن المُناظرة
قبل البدء في الحديث عن مفهوم المناظرة لا بُدَّ من التطرق إلى مفهوم الخطابة أولًا، والخطابة هي أحد أنماط الفنون النثرية التي تعتمد على العقل والمنطق، وتُركز على عامل العاطفة كذلك، وتعريف الخطابة في اللغة أنها الكلام المنثور المسجوع، أما تعريفها اصطلاحًا فهي فن مُخاطبة الجمهور وإقناعه والتأثير فيه حتى يسلِّم بقول المتحدث.
وظاهرة الخطابة لم تكن شيئًا مُستحدثًا بعهد حياة الإنسان، ولكن يمكن القول إن جذورها تعود إلى عهد الإغريق، لأن فلاسفة اليونان هم أول من دوَّنوا علم الخطابة، واستخدموا أسلوب التفكير الفلسفي والمنطق، فارتبطت الخطابة بالفلسفة، وفي القرن الخامس قبل الميلاد انتشرت الخطابة بأثينا على يد السفسطائيين، وكانت شعارًا للجدل العقيم واللعب بالألفاظ وإخفاء الحقيقة، وبعد حقبتهم جاءت حقبة سقراط التي جعلت الخطابة تهتم بقضايا الناس والقيم السياسية، وفي حقبة أرسطو قسمت الخطبة إلى أربعة أجزاء: المقدمة، والعرض، وإقامة الدليل، وأخيرًا الخاتمة.
وفي حقبة العرب نجد أن الخطابة متأصلة في الأدب العربي، فبدايةً من العصر الجاهلي شاعت كوسيلة للتعبير عن بيئتهم ونمط حياتهم في مقابل قلة الكتابة، وعند ظهور الإسلام تجلت قيمة الخطابة لارتباطها بالدعوة إلى الدين وتبليغ تعاليم الإسلام، وبعد ذلك أخذت طريق الازدهار من العصر الأموي ومرورًا بالعصر العباسي والأندلسي حيث اشتهرت الخطب الدينية والسياسية والحربيةوالمحفلية والقضائية.
أما عصرنا الحديث، فقد شَهِد في بدايته ضعفًا شديدًا في جميع مجالات الأدب العربي بسبب الغزوات والظروف السياسية والاجتماعية، ومن ثم بدأ يعاود الحياة من جديد بعد بعض الحركات الوطنية، لمَا لها من أثر في مواجهة الاستعمار وتأجيج الثورات.
وبالعودة إلى المناظرة التي بدورها هي أحد أنواع الخطابة، وتشترك معها في تاريخها وبخاصة في حقب العرب وبعد الفتح الإسلامي والاختلاط بالديانات الأخرى، فقد ظهرت المناظرة لتطهير المجتمع الإسلامي من جميع صور الجدل حول العقيدة والبدع، وظهرت كذلك فِرق الدين الكلامية مثل المرجئة والمعتزلة والأشعرية والصوفية والقدرية والزيدية وغيرها.
أما المناظرة التنافسية -التي تُقام بالمدارس أو الجامعات- فلها شكل خاص يشبه أسلوب المناظرات البرلمانية، فهي تتكون من فريقين متحاورين يمثلان اتجاهين مختلفين حول قضية ما، يُسمى الفريق المسانِد للقضية “فريق المُوالاة” أو “الحكومة” ويطلق على الآخر “فريق المُعارضة”، ويحاول كل فريق إثبات وجهة نظره للجمهور بشتى الوسائل العلمية والمنطقية، في شكل نقاش مُتحضر وفقا لآداب المناظرة وقواعدها.
وفي نوع التناظر ذلك قد يجد المرء نفسه في موقف يقدم فيه حججًا تتناقض مع مبادئه أو تخالف ما يؤمن به، أو العكس.
الفكرة من كتاب المَدخل إلى فن المُناظرة
قد يظن البعض إثر مُشاهدته لبعض البرامج التلفزيونية أن المناظرة هي طريقة للمُشاجرة بين المثقفين!
ولكنها في الحقيقة من أبلغ أساليب الحوار في الإقناع العقلي والمنطقي، فَقَد استعملها القرآن الكريم في إقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى، واستخدمها الأنبياء مع أقوامهم للوصول إلى الحق.
والمناظرة من أهم الوسائل التي يتجلى بها أثر الكلمة واللغة الخطابية في ترسيخ قيم المناقشات وأهدافها.
فما هو فن المناظرة؟ وما تاريخها؟ وكيف تُقام المناظرات بالمدارس والجامعات؟ وما هي معايير التحكيم؟ وكيف تجعل فريقك يفوز في المناظرة؟ سنتعرَّف إجابات هذه الأسئلة مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب المَدخل إلى فن المُناظرة
عبد اللطيف سلامي: هو أستاذ باحث مساعد في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية في جامعة قطر، له عدد من الأبحاث والمقالات التي تهتم بالقضايا التعليمية والاجتماعية.