رحلة الورق
رحلة الورق
اخترِع الورق في الصين قبل قرنين تقريبًا من ميلاد المسيح، وحمل التجّار الصينيون والمبشرون البوذيون الورق وتقنيات صناعته إلى البقاع المجاورة للصين مثل اليابان وكوريا وآسيا الوسطى، ورغم أن الصينيين هم من اخترعوا الورق، فإن المسلمين هم من استغلوا إمكانياته، وحاز مسلمو غرب آسيا قصب السبق في هذا المضمار، إذ افتتح استخدامهم الورق للكتابة حقبة جديدة من الحضارة هي التي نعيشها الآن، وقد عرف المسلمون الورق عندما فتحت جيوشهم إقليم آسيا الوسطى في القرن الثامن الميلادي، وعلى عكس صناعة الورق في الصين التي اعتمدت على اللِّحاء أو الألياف الخشبية، فبُعيد دخول المسلمين آسيا الوسطى طوروا صناعة الورق باعتمادهم على خِرق الكتان والقطن، ومن ثمَّ حمل المسلمون هذه التقنية الجديدة في صناعة الورق إلى العراق والشام ومصر والمغرب وصِقلية وأخيرًا الأندلس، وخلال انتقال صناعة الورق من بقعة إلى أخرى في ديار الإسلام، كان هناك مزيد من تطوير تقنيات التصنيع وإضافة المزيد من التحسينات.
وقد انقضى ما يقرُب من ألف عام قبل أن يستخدم الأوروبيون الورق للمرَّة الأولى، ولم يصنعوه بأنفسهم حتى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، وقد تعلَّم النصارى الأوروبيون صناعة الورق من مُسلمي الأندلس، الذين أسَّسوا أول مصانع لصناعة الورق في أوروبا قاطبةً، إذ قام صُنَّاع الورق المسلمون في هذه المصانع بتحويل خِرق الكتّان وألياف النفايات الأخرى إلى مادة قوية ومرنة صالحة للكتابة عليها، ووجدت الطبقة الوسطى الناشئة في أوروبا في الورق وسيطًا مثاليًّا لتدوين السجلات والصكوك والوثائق التجارية، بينما ظلَّ الرهبان في نسخ مخطوطاتهم على الرَّق المُكلِف المصنوع من جلود الأغنام والماعز والبقر، وقد أنشأت إيطاليا مصانع للورق على غِرار ميثلتها من مصانع الورق في غرب آسيا (العراق والشام وفارس)، وفي أواخر القرن الرابع عشر زار رجل الأعمال الألماني سترومر إيطاليا، ورأى مصانع الورق عن كثب، ومن ثمَّ عمل على تأسيس أول مصنع للورق في نورمبرج شمال أوروبا، وسرعان ما تبع ذلك اختراع المطبعة ذات الحروف المتحركة في القرن الخامس عشر.
وتتجلَّى إحدى آثار الدور المحوري للحضارة الإسلامية في نقل صناعة الورق إلى أوروبا في الطريقة التي ما زلنا إلى اليوم نحسب بها كمية الورق بوحدة تُسمَّى “الرُّزمة”، التي تنطق بالإنجليزية Ream، والتي بدورها أُخذت من الإسبانية Resma، التي بدوها هي الأخرى أخذت من مُسلمي الأندلس، والرُّزمة تحتوي اليوم على ٥٠٠ ورقة تقريبًا.
الفكرة من كتاب قصة الورق … تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة
يتحدث الكاتب عن الكتابة وحوامل الكتابة منذ أن بدأ الإنسان التدوين، وصولًا إلى اختراع الورق وفضل المسلمين في تطوير تقنيات صناعة الورق ونقلها إلى جميع ديار الإسلام ومنها إلى أوروبا، كما جادل الكاتب في أن اختراع المطبعة على يد جوتنبرج ما كان ليُجدي نفعًا لو استخدمت آلته في الطباعة على الرَّق المصنوع من جلود الحيوانات، لأن تكلفة طباعة الكتاب على الرَّق كانت تساوي تقريبًا تكلفة نسخ الكتاب بخط اليد، ومن ثمَّ كان العالم سيستغرق وقتًا طويلًا ليدرك فوائد المطبعة، لو لم يُعرف سرّ صناعة الورق على أيدي المسلمين.
مؤلف كتاب قصة الورق … تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة
جوناثان بلوم : هو مؤرِّخ وأستاذ فنون أمريكي، عمل أستاذًا مزدوجًا في جامعة نورمان جان كالديروود للفنون الإسلامية والآسيوية في كلية بوسطن، كما عمل محاضرًا في جامعة هارفرد، حاصل على بكالوريوس الآداب في تاريخ الفن من جامعة هارفرد، كما حصل على ماجستير الآداب في تاريخ الفن من جامعة ميتشيغان، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة في تاريخ الفن ودراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفرد عن أطروحته “المعنى في العمارة الفاطمية المبكرة”، من كتبه:
Islamic Arts.
Islam: A Thousand Years of Faith and Power.
The Minbar from the Kutubiyya Mosque.
معلومات عن المترجم:
الدكتور أحمد العدوي: هو باحث ومؤرِّخ مصري، مُتخصِّص في التاريخ الإسلامي، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآداب من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد عمِل باحثًا ومحاضرًا بجامعتي القاهرة والأزهر في مصر، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا بقسم العلوم الإسلامية بكلية الإلهيات بجامعة (ÇOMÜ) بتركيا، من ترجماته:
جيش الشرق: الجنود الفرنسيين في مصر ١٧٩٨-١٨٠١.
نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي.