النيوليبرالية واستنزاف حياة الموظفين
النيوليبرالية واستنزاف حياة الموظفين
كثيرًا ما نجد حالة من الغضب والسخط في مكاتب العمل، والسؤال هنا: ما الذي يجعل الفرد يتحمَّل وظيفة لا تُطاق؟ والإجابة أن مؤسسات العمل اليوم تتحكَّم فينا من خلال تشجيعها لبناء علاقات اعتمادية مؤذية معها، ما يؤثِّر في طريقة تفكيرنا، ويحدُّ من المدى الذى يخوضه الناس للمقاومة، ولعلَّ أكثر الأمثلة حزنًا وتعبيرًا عن علاقات العمل الاعتمادية المؤذية هو “مالكوم أندرسن” الذي كان يعمل مدرِّس محاسبة بجامعة كارديف، فقبل أن ينتحر قفزًا من نافذة مكتبه في يونيو 2018، كان واقعًا تحت ضغط هائل ليقوم بالشيء المطلوب في الوقت المناسب، لدرجة أنه كان يأخذ أوراق الامتحانات معه في المناسبات العائلية، وعندما لم يكن بوسعه الاستمرار قام بالانتحار!
وسبب هذا السلوك لا يتوقَّف عند إعياء وضغط العمل، بل يكون نتيجة الإيذاء الأخلاقي أيضًا، والذي يكون نابعًا من تهديدك من قِبل شخص أو مجموعة أشخاص بطريقة عدوانية، سواء بالقول أو الفعل أو الكتابة، وكانت تلك الأفعال تؤثر في سلامة كرامتك أو صحَّتك أو روحك المعنوية أو سبَّبت تدهورًا في بيئة العمل، أو عرَّضت وظيفتك للخطر! ومن الأمثلة على الإيذاء الأخلاقي في العمل، ما صار في شركة “أورانج” عندما قرَّر مديرها السابق إعادة هيكلتها عام 2006 بهدف القضاء على 22 ألف وظيفة، قائلًا: “سأجعلهم يذهبون من هنا بأي طريقة، من النافذة أو من الباب”، فتبع ذلك موجة من حوادث الانتحار عصفت بالشركة، إذ انتحر تسعة عشر موظفًا وحاول عشرة آخرون، وهذا ما يجعل العمل في مؤسسة نيوليبرالية مُستنزفًا للحياة!
وبناءً على ذلك، نجد في الآونة الأخيرة زيادة عدد المديرين في الشركات والمؤسسات، وعودة التراتبية الهرمية والمديرين السلطويين، رغم ما يقال لنا إن العمال يكونون أكثر سعادة إذا كان توظيفهم أساسًا مرنًا كعمالة حرة، لأنه في ظل الرواتب المنخفضة وظروف العمل البائسة، فإن السخط سيتصاعد عاجلًا أم آجلًا، لذلك صار للمديرين أهمية من جديد، وأهميتهم تكمن في التحكُّم بالناقمين، وفي ظل قلة خيارات الهروب، نجد من السهولة رؤية كيف تنمو الأفكار الانتحارية في بيئة العمل، بل وأفكار معاكسة لا تتضمَّن قتل النفس، بل قتل المدير! فقد كشف أحد استطلاعات الرأي في اليابان أن أكثر من ربع الموظفين يستمتعون بفكرة قتل المشرفين عليهم!
تتسبَّب المؤسسات النيوليبرالية في الشعور بالعجز عند المراتب الدنيا، فاضطلاع المرء بدور المرؤوس كثيرًا ما يمحو ثقته بنفسه وكرامته، ويجعله أكثر عرضة للمرض، أضف إلى ذلك الرعب الصامت الدائم من خسارة الوظيفة، لذلك فإن المؤسسات النيوليبرالية تشجِّع المديرين الأغبياء غير الاجتماعيين، لأنه ببساطة عندما تنشأ علاقة اعتمادية يشعر فيها صاحب الوظيفة أن الموظف في حاجة ماسة إليها، يشعر الجانب الأقوى أنه لا يحتاج إلى الذكاء أو التواصل مع من هم أسفل منه!
الفكرة من كتاب الأسوأ لم يأتِ بعد… دليل ما بعد رأسمالي للنجاة
يبيِّن الكاتب خلال صفحات الكتاب أن أسوأ الأيام في ظل الرأسمالية لم تأتِ بعد، وأن ما نشاهده من لا مساواة في الدخل، وتصاعد القلق والخوف وزيادة حالات الانتحار، وغيرها من الأمور الناتجة عن الرأسمالية ما هي إلا نقطة في بحر مما سوف نراه من كارثة ودمار قادم!
مؤلف كتاب الأسوأ لم يأتِ بعد… دليل ما بعد رأسمالي للنجاة
بيتر فليمنغ: هو كاتب ومؤلف للعديد من الكتب التي تدرس وتوضِّح الجانب السيئ والمظلم من الرأسمالية، ومن كتبه:
Dark Academia: How Universities Die.
Sugar Daddy Capitalism: The Dark Side of the New Economy.
The Death of Homo Economicus: Work, Debt and the Myth of Endless Accumulation.
The Mythology of Work: How Capitalism Persists Despite Itself.
معلومات عن المترجم:
محمد أ. جمال: هو روائي ومترجم مصري من الإسكندرية، من مؤلفاته:
خيبة أمل.
طيران.
من ترجماته:
أهلًا بالعالم: أن تكون إنسانًا في عصر الخوارزميات.
أهلًا بك في بيت القرود.
في قلب البحر: مأساة الحواتة إسكس.