المستقبل
ولكن أين يكمن الحل في وسط كل هذا؟
الحل يكمن في إعادة تكوين العلاقات بين المجتمعات الحديثة، بحيث لا تقوم على الاستهلاك والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وتطوير القوة الإنتاجية لإعادة توزيع ناتجها بالتساوي على الأفراد، دافنة بذلك الجذور المؤدية للاستعمار والحروب.
تلك الرغبة في الإصلاح الاجتماعي تقف في صراع ضد عدم استعداد أصحاب الملكية ورأس المال لتقديم أي تنازلات، وقدرتها على محو أي سيادة للسلطة عليها، بل وتطويعها واستخدام الجيش لحماية مصالحها خارجيًّا وداخليًّا، سواء بإعلان الحروب أو إخماد أي استياء أو تمرُّد أو ثورات للطبقة العاملة، وهو ما يهدِّد بإمكانية نشوء دولة عسكرية فاشية على أنقاض التجربة الديمقراطية المجهضة، مثل دولة هتلر في ألمانيا.
ولكن هذه الصورة لا تعني أن الصراع نتيجته محسومة، بل إن ميزان القوى على الأرض ديناميكي جدًّا، فقوة الطبقة العاملة ترتكز على أعدادها المهولة، ولكنها بحاجة إلى ضغط شديد لكي تدرك أهدافها وتفهم وضعها وتصل إلى تفسير لتدهور أحوالها، وتعي موقفها من النظام القائم وعلاقاته، ونرى أن الظروف التاريخية التي تمر بها الشعوب هي التي تخلق الحالة السيكولوجية الراغبة في الثورة والتمرد وإعلان العصيان، وإن استغلت هذه الحالة بصورة صحيحة، وحافظ قادة الثورة على وحدة الصف، فإنها تحقِّق النجاح.
ويختلف شكل الثورة من شعب إلى آخر نتيجة تنوع خبراته، فبريطانيا مثلًا ترى أن التمرُّد المفاجئ ومحاولة تحقيق أهداف الدولة بالقوة عبر تغيير النظام السائد وشكل العلاقات الاجتماعية؛ يقضي على النتائج الجيدة المحققة، وتفضل الضغط على المؤسسات للإصلاح التراكمي، بينما روسيا تؤمن بالعكس، وترى أن الثورة ما هي إلا نتيجة طبيعية، بل تعتبرها استكماًلا للحالة التي وصلت إليها، فاختلاف تلك الوسائل الموصلة إلى نتيجة التغيير إن ضربت الطبقة العاملة في شعب واحد، أدَّت إلى الانشقاق وانهيار التماسك حول الأهداف.
الفكرة من كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
يسعى كل فرد لتحقيق احتياجاته وإشباع رغباته، ومنذ أن اجتمع الأفراد حول تحقيق مصالح مشتركة، ظهر علم السياسة في شكله البسيط آخذًا في التطوُّر مع تقدُّم الزمن، وتعقَّدت أشكال تجمُّع الأفراد واتخذت صور منظمات وتيارات أكثر تنوعًا، وتركَّبت الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها وحاولت العلوم الإنسانية بشكل عام والسياسة على وجه التحديد اللحاق بركب ثورة العلوم الطبيعية، محاولة توصيف وتفسير علاقات الإنسان بالنظم السياسية حوله.
يُقدِّم لنا الكتاب النظريات الفلسفية المتعددة التي تحاول أن تبين لِمَ وكيف نشأت الدولة، وما وظائفها التي تسعى باستمرار إلى الحفاظ عليها، وعبر تحليل أشكال العلاقات بين طبقات المجتمع سنصل إلى استنتاجات مهمة حول وظيفة القانون والجيش وأهميتهما، وكيفية نشأة المجتمع الدولي وقوانينه.
مؤلف كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
هارولد لاسكي: منظِّر سياسي واقتصادي أمريكي يهودي، ولد في 30 يونيو عام 1893، وتُوفِّي في 24 مارس عام 1950، كان أستاذًا في الاقتصاد بكلية لندن منذ عام 1926م وحتى وفاته، كما ألقى عدة محاضرات بجامعة هارفارد ويال، اعتنق الماركسية منذ عام 1930م مقتنعًا بأهمية الثورة العمالية وترأَّس حزب العمال البريطاني لسنتي 1945م و1946م، وتم انتقاد آرائه بشدة من جانب تشرشل في الانتخابات العامة، وتخلَّى قادة حزب العمال عنه مع ازدياد حدَّة الهجوم على نشاطه الثوري.
من أشهر إسهاماته في عالم السياسة والأفكار كتاب “مقدِّمة إلى السياسة”، و“الحريات في العصر الحديث”.