الدولة والمجتمع الدولي
الدولة والمجتمع الدولي
أحيانًا تكون لسيادة الدولة نتائج خارج أراضيها، فالاستعمار شكل من أشكال فرض السيادة خارجيًّا، وعند اصطدام السيادات بعضها ببعض، تظهر حاجة ملحَّة إلى إطار قانوني منظَّم، ولكن إرغام الدول على الالتزام بقانون أو إرادة خارجية لكيان هم يمثِّلون جزءًا من أجزائه أمر في غاية الصعوبة، وذلك لأنها ترتبط بإرادة خارجية غير إرادتها، وبالتالي تفقد جزءًا من سيادتها.
ولكن نعود مرَّة أُخرى ونسأل: ما الذي يدفع الدول إلى الاستعمار في المقام الأول؟!
تتعدَّد أسباب الحروب، ولكن الاستعمار عملية متكاملة، ليس الهدف منها القضاء على قوة العدو العسكرية، بل إدارة بلاده وفقًا لمصلحة الدولة الفائزة، ونلاحظ أيضًا عبر تاريخ المستعمرات الكبرى وضوح تأثير العامل الاقتصادي في اتخاذ قرار الاستعمار، فدائمًا ما تتحرَّك القوات العسكرية نتيجة وقوع المصالح الاقتصادية الرأسمالية في خطر التهديد، إضافةً إلى الاستهلاك السريع للمواد الخام الذي يحتِّم الخروج للتوسُّع والبحث عن مصادر أخرى في بلاد لها سيادة أيضًا.
فالحرب تعبير عن السيادة ولكن في إطار العلاقات الدولية، ومن الصعب أيضًا نفي عدم تحيُّز الدول لمصالح رأس المال وأدوات الإنتاج عند تناولها القضايا الدولية، ومع تغذية وشحن القومية للشعوب وانتشار الإحباط المحلي يسهل اتخاذ قرار الحرب مهما كانت العواقب الوخيمة.
نظرًا إلى تلك الأسباب تقف عصبة الأمم مكتوفة الأيدي أمام كمٍّ هائل من النزاعات والحروب، عاجزة عن فرض الأمن العالمي، مكتفية في أغلب الأحيان بعقوبات سياسية وإدارية وإن تطوَّرت فهي اقتصادية، لأن الأمر أشبه ما يكون بمسرحية يتنازع فيها مجموعة من الحلفاء ويعاقب بعضهم بعضًا، وفي ظل تشابك مصالحهم، فإن التأثير يعود عليهم جميعًا بالسلب.
الفكرة من كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
يسعى كل فرد لتحقيق احتياجاته وإشباع رغباته، ومنذ أن اجتمع الأفراد حول تحقيق مصالح مشتركة، ظهر علم السياسة في شكله البسيط آخذًا في التطوُّر مع تقدُّم الزمن، وتعقَّدت أشكال تجمُّع الأفراد واتخذت صور منظمات وتيارات أكثر تنوعًا، وتركَّبت الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها وحاولت العلوم الإنسانية بشكل عام والسياسة على وجه التحديد اللحاق بركب ثورة العلوم الطبيعية، محاولة توصيف وتفسير علاقات الإنسان بالنظم السياسية حوله.
يُقدِّم لنا الكتاب النظريات الفلسفية المتعددة التي تحاول أن تبين لِمَ وكيف نشأت الدولة، وما وظائفها التي تسعى باستمرار إلى الحفاظ عليها، وعبر تحليل أشكال العلاقات بين طبقات المجتمع سنصل إلى استنتاجات مهمة حول وظيفة القانون والجيش وأهميتهما، وكيفية نشأة المجتمع الدولي وقوانينه.
مؤلف كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
هارولد لاسكي: منظِّر سياسي واقتصادي أمريكي يهودي، ولد في 30 يونيو عام 1893، وتُوفِّي في 24 مارس عام 1950، كان أستاذًا في الاقتصاد بكلية لندن منذ عام 1926م وحتى وفاته، كما ألقى عدة محاضرات بجامعة هارفارد ويال، اعتنق الماركسية منذ عام 1930م مقتنعًا بأهمية الثورة العمالية وترأَّس حزب العمال البريطاني لسنتي 1945م و1946م، وتم انتقاد آرائه بشدة من جانب تشرشل في الانتخابات العامة، وتخلَّى قادة حزب العمال عنه مع ازدياد حدَّة الهجوم على نشاطه الثوري.
من أشهر إسهاماته في عالم السياسة والأفكار كتاب “مقدِّمة إلى السياسة”، و“الحريات في العصر الحديث”.