الحكومة
يتركَّز هدف الحكومة الأساسي في تحقيق احتياجات المجتمع، مقابل الحصول على الطاعة والولاء والالتزام، ويجب أن تستهدف إشباع أكبر قطاع ممكن من الأفراد، وفي حال تخصيص سلطتها لخدمة مجموعة معينة دون الآخرين سيرتفع السخط المؤدي إلى التمرد والثورة لإرجاع بعض التوازن إلى عملية توزيع الرفاهية، وبمجرد إلقاء نظرة على التاريخ السياسي، نرى بوضوح أنه يتمثل في تحيُّزات مستمرة، فالدولة متمثِّلة في حكومتها ومؤسساتها تميل دائمًا ناحية تطويع سيادتها وخدمة مجموعة ما.
ولكن كيف يشبع المجتمع حاجاته؟
تحدَّثنا سابقًا عن المفهوم الفلسفي للدولة، ومن خلال إدراكنا الجيد له أن نرى طريقة إشباع حاجات الأفراد داخل المجتمع قائمًا على شكل العلاقات الاجتماعية وقوانينها ونظمها، وهي مرتبطة بشكل وثيق بالشكل الاقتصادي لوسائل الإنتاج، ليتضح المعنى بشكل أكبر نعود بالزمن إلى الحضارة اليونانية كمثال، كانت مرتبطة بتجارة العبيد، وتحدَّدت العلاقات بين طبقاتها على ثنائية العبيد والأحرار، ووُزِّعت الأدوار وقامت الفلسفات على تلك الثنائية، وتحقَّق الإشباع بالتبعية اعتمادًا على الاقتصاد الذي يشكِّل العلاقات بين الطبقات.
ونجد أن الدولة تنتقل من إشباع الحاجات إلى حماية وسيلة الإشباع، أي حماية وسائل الإنتاج، وهكذا تنحاز تدريجيًّا إلى الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج، وعند حدوث أي صراع بين الجماعات والأفكار لتسخير الدولة، تنحاز الدولة إلى الطرف الأقوى اقتصاديًّا.
العلاقات الاجتماعية هي التربة التي تنمو فيها القيم والثقافة والمثل والنماذج والمعايير، ويدور الصراع الطبقي التقليدي بين رأس المال والعمال حول المكسب والأجر المقابل، ولكن تختلف صورته فقط من عصر إلى آخر، وتتدخَّل الدولة في اللحظات الأخيرة لإخماد أي اضطراب يهدِّد مصالح ومكاسب رأس المال، وتزداد الدولة بطشًا واستبدادًا بالسلطة كلما زاد رأس مالها.
الفكرة من كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
يسعى كل فرد لتحقيق احتياجاته وإشباع رغباته، ومنذ أن اجتمع الأفراد حول تحقيق مصالح مشتركة، ظهر علم السياسة في شكله البسيط آخذًا في التطوُّر مع تقدُّم الزمن، وتعقَّدت أشكال تجمُّع الأفراد واتخذت صور منظمات وتيارات أكثر تنوعًا، وتركَّبت الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها وحاولت العلوم الإنسانية بشكل عام والسياسة على وجه التحديد اللحاق بركب ثورة العلوم الطبيعية، محاولة توصيف وتفسير علاقات الإنسان بالنظم السياسية حوله.
يُقدِّم لنا الكتاب النظريات الفلسفية المتعددة التي تحاول أن تبين لِمَ وكيف نشأت الدولة، وما وظائفها التي تسعى باستمرار إلى الحفاظ عليها، وعبر تحليل أشكال العلاقات بين طبقات المجتمع سنصل إلى استنتاجات مهمة حول وظيفة القانون والجيش وأهميتهما، وكيفية نشأة المجتمع الدولي وقوانينه.
مؤلف كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
هارولد لاسكي: منظِّر سياسي واقتصادي أمريكي يهودي، ولد في 30 يونيو عام 1893، وتُوفِّي في 24 مارس عام 1950، كان أستاذًا في الاقتصاد بكلية لندن منذ عام 1926م وحتى وفاته، كما ألقى عدة محاضرات بجامعة هارفارد ويال، اعتنق الماركسية منذ عام 1930م مقتنعًا بأهمية الثورة العمالية وترأَّس حزب العمال البريطاني لسنتي 1945م و1946م، وتم انتقاد آرائه بشدة من جانب تشرشل في الانتخابات العامة، وتخلَّى قادة حزب العمال عنه مع ازدياد حدَّة الهجوم على نشاطه الثوري.
من أشهر إسهاماته في عالم السياسة والأفكار كتاب “مقدِّمة إلى السياسة”، و“الحريات في العصر الحديث”.