القانون
لتحقيق التنظيم في المجتمع الذي يبحث أفراده عن إشباع حاجاتهم، يجب وضع إطار لتحديد اتجاهات الدولة في توفير تلك الحاجات، لأن تحقيقها كلها أمر مستحيل، فالقانون يوفِّر هذا الإطار، ويتشكَّل من مجموع إرادات السيادة، أو بمعنى أصح الأفراد الذين يمثلون تلك السيادة، وعند خروج البعض عن القانون، بحجة أنه غير أخلاقي أو ضد مصالحهم، تلجأ الدولة إلى تنفيذه بالقوة، فللقانون ثلاثة مستويات: الأول هو المستوى الشرعي، أي الصياغة اللفظية والقانونية، والثاني هو المستوى السياسي الذي يتمثَّل في رغبة السلطة السيادية في تنفيذه، والثالث هو المستوى الأخلاقي، والذي يمكن تعريفه بأنه التوافق بين الحقوق وأهداف الدولة.
يقع رفض المواطنين للقوانين تحت المستوى الثالث، فيكون رفضًا أخلاقيًّا ويتطلَّب شجاعة كبيرة من الأفراد لإيجاد توافق بينهم وتشكيل جبهة معارضة منظَّمة، في بعض المجتمعات توفِّر للمعارضة سبلًا سلمية ديمقراطية لتغيير القوانين، وانتهاج محاولات الإصلاح المختلفة، لكن عند غياب ذلك لا يتبقَّى أمام الساخطين والرافضين غير التمرُّد والثورة.
ومن الواضح أن القانون لا يعني العدالة عكس التصوُّر الشائع، لأن العدالة مرتبطة بالعادات الثقافية المختلفة من مكان إلى آخر، والقانون ما هو إلا إرادة السيادة، ومن أكبر مسبِّبات الثورة هو استشعار الأفراد اتساع السعة بين العدالة والقانون، وعجزهم عن تغييره بصورة سلمية، فإذا اقتنعت مجموعة كافية من الأفراد بعدم قدرة الدولة على توفير عدالة تحقق احتياجاتهم، وتوفِّر لها وزنًا اقتصاديًّا وتمتلك من القوة عندها تتمكَّن من التمرُّد وتحطيم إلزامية الطاعة وإحداث التغيير.
تقع المجموعة المشرعة للقوانين في خطأ لا يغتفر، حين يتوهَّمون الاعتقاد أن القوانين المسَنَّة ستحقِّق احتياجات الجماهير.
الفكرة من كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
يسعى كل فرد لتحقيق احتياجاته وإشباع رغباته، ومنذ أن اجتمع الأفراد حول تحقيق مصالح مشتركة، ظهر علم السياسة في شكله البسيط آخذًا في التطوُّر مع تقدُّم الزمن، وتعقَّدت أشكال تجمُّع الأفراد واتخذت صور منظمات وتيارات أكثر تنوعًا، وتركَّبت الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها وحاولت العلوم الإنسانية بشكل عام والسياسة على وجه التحديد اللحاق بركب ثورة العلوم الطبيعية، محاولة توصيف وتفسير علاقات الإنسان بالنظم السياسية حوله.
يُقدِّم لنا الكتاب النظريات الفلسفية المتعددة التي تحاول أن تبين لِمَ وكيف نشأت الدولة، وما وظائفها التي تسعى باستمرار إلى الحفاظ عليها، وعبر تحليل أشكال العلاقات بين طبقات المجتمع سنصل إلى استنتاجات مهمة حول وظيفة القانون والجيش وأهميتهما، وكيفية نشأة المجتمع الدولي وقوانينه.
مؤلف كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
هارولد لاسكي: منظِّر سياسي واقتصادي أمريكي يهودي، ولد في 30 يونيو عام 1893، وتُوفِّي في 24 مارس عام 1950، كان أستاذًا في الاقتصاد بكلية لندن منذ عام 1926م وحتى وفاته، كما ألقى عدة محاضرات بجامعة هارفارد ويال، اعتنق الماركسية منذ عام 1930م مقتنعًا بأهمية الثورة العمالية وترأَّس حزب العمال البريطاني لسنتي 1945م و1946م، وتم انتقاد آرائه بشدة من جانب تشرشل في الانتخابات العامة، وتخلَّى قادة حزب العمال عنه مع ازدياد حدَّة الهجوم على نشاطه الثوري.
من أشهر إسهاماته في عالم السياسة والأفكار كتاب “مقدِّمة إلى السياسة”، و“الحريات في العصر الحديث”.