مخاطر التعميم
مخاطر التعميم
في الحياة اليومية، غالبًا ما نقوم بترتيب وتصنيف الظواهر التي نراها ونتعامل معها وفقًا للمعرفة والتجارب السابقة، هذه الآلية شديدة الأهمية لأنها توفر الطاقة اللازمة لأداء الوظائف العادية والمتكررة، وهي بذلك تمنحنا القدرة على اختبار الأمور الفريدة بالفعل والتعامل مع المتغيرات عن طريق تجاهل التفاصيل التي لا معنى لها، نظريًّا يمنحنا هذا النظام وسيلة للتعبير عن الواقع بواسطة مجموعة من المصطلحات المعروفة ويسهل عملية دمج المعلومات الجديدة، ومن هذا النظام أيضًا ينتج مفهوم التعميم وإسقاط بعض الصفات أو الانطباعات الخاصة ببعض المجموعات التي تشترك في صفات معينة، وقد يكون التعميم مفيدًا للأسباب المذكورة بالأعلى، كتوفير الاحترام لسلوكيات الأفراد بناءً على انتمائهم الثقافي، أو قد يدفعك الجمود الفكري وتجاهل الاختلافات الفردية إلى رفض الأفكار الثورية والفرص القيمة أو ربما القيام بأخطاء جسيمة.
ويكون تجنب ظاهرة التعميم الضار بملاحظة الاختلافات الكبيرة في المجموعات الواحدة، وبخاصة الكبيرة منها، فمع إدراك أن أفراد المجموعات لا يتصرفون على أنهم كيان واحد وأن الأغلبية قد لا تشمل الجميع، تبدأ المجموعات في الانقسام إلى وحدات أصغر، كل منها يحمل صفات أكثر اتساقًا ووضوحًا في ما بينها؛ بعض المجموعات التي تبدو متشابهة ليست كذلك في الواقع، يمكنك كذلك أن تبحث عن أوجه التشابه بين المجموعات التي تبدو على النقيض، سيساعدك ذلك على تكوين عقلية تتقبل الآخر وتتجاوز الاختلاف، من المهم كذلك التمييز بين القاعدة والاستثناء، فبعض الأمثلة الشهيرة لا تفسر السلوك العام وإنما تلقي الضوء على أحداث نادرة الحدوث، وتنتشر هذه الأمثلة بصورة أسرع من غيرها كونها سهلة التذكر والاسترجاع.
عندما تسوء الأمور، تظهر الحاجة الداخلية إلى إلقاء اللوم على شخصٍ أو شيء ما، لا بد وأنك تعرف أحد الأشخاص ممن يتذمرون دائمًا ويحملون مسؤولية الفشل لبعض المجموعات دون غيرها، هذه العملية تخلصنا من الذنب وتخفف المسؤولية الفردية التي نحملها نحو المجتمع، وهو ما يغلق المجال للبحث عن الأسباب والتفسيرات المنطقية؛ المشكلات تحدث باستمرار وبدلًا من توجيه الانتباه والطاقة إلى تحديد الأسباب المسؤولة عن الخلل ودعمها في المستقبل لتجنب كوارث مماثلة فإننا ننشغل بالحاجة إلى تحديد الأشرار وصب الغضب كله عليهم، أو على العكس تمامًا في الأحوال الجيدة عندما نبدأ في البحث عن الأبطال، الحقيقة هي أن كلًّا من الأشرار والأبطال هم أوهام تعيقنا عن فهم طبيعة الأنظمة والديناميكية اللازمة لها حتى تؤدي مهامها بكفاءة.
الفكرة من كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
تخيل أننا تمكننا من وضع بعض أفراد الشمبانزي تحت الاختبار عن بعض المعلومات العامة مثل عدد الفقراء في العالم، إحصائيًّا يفترض أن يصيب الشمبانزي الاختيار بنسب مقاربة لنتائج الاختيار العشوائي، أما إذا تم وضع بعض الأشخاص تحت نفس الاختبار فإنهم يحرزون نتائج أكثر دقة، أليس كذلك؟ في الواقع الإجابة عن هذا السؤال شديدة الإحباط، فقد وجد الكاتب بعد أن أجرى العديد من الاستطلاعات والاختبارات على مجموعات مختلفة أن أغلب البشر لا يملكون معرفة سليمة بالأمور الأساسية في هذا العالم، ويحرزون نتائج صحيحة بنسبة أقل من الشمبانزي! لا ينم هذا عن جهل أو تخمين خطأ فقط، وإنما هو توجه داخلي ونظرة شخصية تجعلنا نرى العالم بشكل مشوه وغير حقيقى، بصورة أسوأ مما هو عليه بالفعل.
ونتيجة لعدة عوامل نفسية وتأثيرات خارجية للبيئة والثقافة المحيطة، أصبح تبني صورة سلبية عن العالم وتوقع الأحداث والوقائع السيئة نمطًا وأسلوبًا للحياة العادية، يصاحب هذه الصورة اعتقاد دائم بأن كل شئ يتجه نحو الهاوية، على الرغم من أن الواقع يخبرنا كيف حققت البشرية تقدمًا ملحوظًا في جميع المجالات من الصحة إلى التعليم والثقافة وغيرها، إلى جانب ارتفاع جودة البنية التحتية وعناصر الرفاهية والمستويات المعيشية في المتوسط؛ هذه المعلومات تهم من يملكون القدرة على تخصيص الموارد وتوجيه الاستثمارات، كما توفر قدرًا من الارتياح والطمأنينة للشخص العادي.
مؤلف كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
هانز روسلينج: هو طبيب سويدي وبروفيسور في مجال الصحة العالمية، في حياته شغل روسلينج مناصب استشارية في منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، وعمل على نشر الوعي بالحقائق والتصدي لمحاولات تزييف الواقع، فأسهم في إنشاء مؤسسة gapminder التي تقوم بدراسة البيانات والإحصائيات الخاصة بمستويات التقدم على جميع الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، من أجل تقديم المعلومات الخاصة بها في صور أكثر وضوحًا.
ويعد هانز من أكثر الناس تأثيرًا في العالم تبعًا لمجلة التايمز بفضل هذه الجهود، إلى جانب محاضراته على منصة TED التي شاهدها الملايين.
أولا روسلينج وآنا روسلينج رونند: هما شريكان مؤسسان في gapminder، صمما الأداة البرمجية Trendalyzer للرسوم البيانية التي اشترتها شركة جوجل.
معلومات عن المترجمة:
رفيف غدار: هي صاحبة الترجمات “المعجزة”، و”فن الاسترخاء”، وغيرها.