لغة الأرقام
لغة الأرقام
كم تتوقع أن يصل عدد الأطفال في العالم بحلول عام 2100م؟ بالنظر إلى الزيادة الخطية منذ عام 1950م وحتى بداية الألفية يمكننا أن نستنتج أن الرقم سيصبح نحو 4 مليار طفل، وهو الداعي الأساسي لفكرة أن الزيادة السكانية ستشكل كارثة في المستقبل، لكن الأمم المتحدة تتوقع أن العدد سيصبح 2 مليار فقط، تمامًا مثل العدد الحالي، يستند هذا الافتراض إلى انخفاض معدلات الإنجاب مقارنة بالقرن الماضي، نتيجة لتحسن الظروف المعيشية والخدمات الصحية وتوفير وسائل منع الحمل والتعليم للنساء، إذ ساعدت هذه العناصر على القضاء على الحاجة إلى إنجاب المزيد خصوصًا وأن نسبة نجاة الأطفال الرضع ارتفعت بسبب تقدم سبل الرعاية والتطعيمات وغيرها، ومن المتوقع أيضًا أن يزيد عدد السكان في المجمل بمقدار 3 مليار نسمة نتيجة لتعاقب الأجيال مع ثبات معدلات الإنجاب بمتوسط طفلين لكل أسرة.
المثال السابق يعد دليلًا على أن مد الخط على استقامته والتنبؤ بالمستقبل دون الإحاطة بالمتغيرات كافة يُخْطِئ أحيانًا، فبعض العلاقات تتبع أشكالًا رياضية متنوعة، مثل منحنى حرف S المقوس لتوضيح العلاقة بين مستوى الدخل ومعدلات التطعيم للأطفال، أو منحنى النمو الأسي لزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها.
يمكنك أن تثق في قدرة الأرقام على قول الحقيقة، ولكن الحقيقة المنزوعة السياق قد لا تخبرك بالصورة الكاملة، إذا علمت أن وفيات الأطفال فى عام 2016 م كانت 4.2 مليون طفل ستشعر بالأسف الشديد وهذا شيء طبيعى، ولكن القصة تختلف عندما تعلم أن هذا الرقم يمثل 3% من العدد الكلي للأطفال للعام نفسه، بينما كان معدل وفيات الأطفال لعام 1950م يقدر بنسبة 15%، لا يزال الأمر سيئًا ولكنه يتحسن، وهو أمر ما كنت لتعلمه إذا لم تبحث عن رقم آخر وتقارن النسب عن طريق القسمة؛ غالباً ما تحمل النسب معاني أكثر أهمية من الكميات ونحن غالبًا ما ننخدع بالكميات الكبيرة، إذا كانت عليك دراسة قائمة كبيرة من البيانات يمكنك أن تتبع قاعدة 80/20 التي توضح أن بضعة أمور قليلة تصنع نحو 80% من النتائج، مثلًا تعد منتجات البترول والغاز الطبيعي والفحم هي الأكثر إنتاجًا للطاقة عالميًّا مقارنة بالبقية.
يفترض أن تستند قراراتك إلى وجهات نظر متعددة، فلا تقع في فخ النظرة الأحادية التي ترى الأمور من ثقب ضيق جدًّا، مما قد يدفع البعض إلى ممارسة مهاراتهم دون الحاجة إليها أحيانًا، ويؤدي سوء التوظيف هذا إلى فقدان الهدف والانحراف عن الطريق السليم، فبدلًا من الاستعانة بالخبرات ووضع الأفكار تحت الاختبار قد نلجأ إلى حلول غير ناضجة لأنها تتفق مع مجموعة الأدوات التي نمتلكها، وكما ذكرنا بالأعلى فإن الإجابات البسيطة ليست صحيحة دائمًا.
الفكرة من كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
تخيل أننا تمكننا من وضع بعض أفراد الشمبانزي تحت الاختبار عن بعض المعلومات العامة مثل عدد الفقراء في العالم، إحصائيًّا يفترض أن يصيب الشمبانزي الاختيار بنسب مقاربة لنتائج الاختيار العشوائي، أما إذا تم وضع بعض الأشخاص تحت نفس الاختبار فإنهم يحرزون نتائج أكثر دقة، أليس كذلك؟ في الواقع الإجابة عن هذا السؤال شديدة الإحباط، فقد وجد الكاتب بعد أن أجرى العديد من الاستطلاعات والاختبارات على مجموعات مختلفة أن أغلب البشر لا يملكون معرفة سليمة بالأمور الأساسية في هذا العالم، ويحرزون نتائج صحيحة بنسبة أقل من الشمبانزي! لا ينم هذا عن جهل أو تخمين خطأ فقط، وإنما هو توجه داخلي ونظرة شخصية تجعلنا نرى العالم بشكل مشوه وغير حقيقى، بصورة أسوأ مما هو عليه بالفعل.
ونتيجة لعدة عوامل نفسية وتأثيرات خارجية للبيئة والثقافة المحيطة، أصبح تبني صورة سلبية عن العالم وتوقع الأحداث والوقائع السيئة نمطًا وأسلوبًا للحياة العادية، يصاحب هذه الصورة اعتقاد دائم بأن كل شئ يتجه نحو الهاوية، على الرغم من أن الواقع يخبرنا كيف حققت البشرية تقدمًا ملحوظًا في جميع المجالات من الصحة إلى التعليم والثقافة وغيرها، إلى جانب ارتفاع جودة البنية التحتية وعناصر الرفاهية والمستويات المعيشية في المتوسط؛ هذه المعلومات تهم من يملكون القدرة على تخصيص الموارد وتوجيه الاستثمارات، كما توفر قدرًا من الارتياح والطمأنينة للشخص العادي.
مؤلف كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
هانز روسلينج: هو طبيب سويدي وبروفيسور في مجال الصحة العالمية، في حياته شغل روسلينج مناصب استشارية في منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، وعمل على نشر الوعي بالحقائق والتصدي لمحاولات تزييف الواقع، فأسهم في إنشاء مؤسسة gapminder التي تقوم بدراسة البيانات والإحصائيات الخاصة بمستويات التقدم على جميع الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، من أجل تقديم المعلومات الخاصة بها في صور أكثر وضوحًا.
ويعد هانز من أكثر الناس تأثيرًا في العالم تبعًا لمجلة التايمز بفضل هذه الجهود، إلى جانب محاضراته على منصة TED التي شاهدها الملايين.
أولا روسلينج وآنا روسلينج رونند: هما شريكان مؤسسان في gapminder، صمما الأداة البرمجية Trendalyzer للرسوم البيانية التي اشترتها شركة جوجل.
معلومات عن المترجمة:
رفيف غدار: هي صاحبة الترجمات “المعجزة”، و”فن الاسترخاء”، وغيرها.