الصدِّيق حاكمًا
الصدِّيق حاكمًا
لقد بدأ تأسيس الصدِّيق للدولة الإسلامية من أول يوم في إسلامه، فقد كان سببًا في إسلام كثيرين، ومنهم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وبلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وظل أبو بكر يجزل العطاء للإسلام بمختلف الأشكال، فقد بذل المال في البعوث والجيوش، وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتأخر أبدًا، وبعد مبايعته رضي الله عنه خليفةً للمسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم برز دوره في بناء الدولة الإسلامية، فأنفذ بعث أسامة بن زيد، وحارب المرتدين، وأرسل بعض البعوث للعراق والشام، فجميعها مآثر عظمى لا يقوم بحقها أحد كما قام بها الصدِّيق.
فبعثة أسامة بن زيد كان قوامها كله طاعة أمر سول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من جهزها وقد قال أبو بكر: “والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله!” فكانت هذه السرية سببًا في دفع الخطر، فألقت في نفوس العدو أنه لو لم يكن للمسلمين قوَّة فلم يخرج هؤلاء.
وفي حروب الردَّة ظهر الصديق المحب لصديقه، والمعجب الغيور على ذكرى بطله، يثيره غدر الغادرين بعهد صديقه وذكرى ذلك البطل، وقد كان المؤرخون على حق حين وازنوا بين دعوة الإسلام الأولى في مقاومة الشرك ودعوة الإسلام الثانية في مقاومة الارتداد، فإنما كانت الغلبة على فتنة المرتدين فتحًا جديدًا لهذا الدين.
ولم يتسع الزمن لإقامة نظام للدولة الإسلامية على مثال النظم السياسية والإدارية التي تقام للدول، بل لعل السبب الأدق هو أنه في عهد الخليفة الأول لم يطرأ على إدارة الدولة الإسلامية ما يدعو إلى نظام جديد غير النظام الذي كانت تجري عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فاكتفى بإدارة الشؤون العامة بمكة والمدينة والجزيرة العربية مع التعديل في توزيع الأعمال وتفرقة العبء الكبير بعد وفاة النبي.
وقد اتبع الصديق في سياسة الدولة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاورة ذوي الرأي والثقة في كل الأمور، ولا ننسى دوره في جمع القرآن الكريم.
الفكرة من كتاب عبقرية الصديق
يتناول العقاد شخصية الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه من زاوية مُختلفة، استكمالًا لسلسلة العبقريات لديه، فالكتاب لا يتناول شخصه وحياته رضي الله عنه بصورة تقليدية، بل يتناوله تحليلًا ودراسةً وتفصيلًا من خلال مواقفه رضي الله عنه، فتناوله صديقًا وأبًا وحاكمًا، كما عقد مقارنات بين الصدِّيق والفاروق تُظهر تميُّز كلتا الشخصيتين في جوانبها المختلفة.
مؤلف كتاب عبقرية الصديق
عباس محمود العقاد: أديب ومفكر وصحفي وشاعر مصري، ولد في أسوان عام 1889م، حصل على شهادة الابتدائية لكنه كان مولعًا بالقراءة في مختلف المجالات، منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلُّمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.
أضاف إلى المكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، فمن مؤلفاته: سلسلة العبقريات والإنسان في القرآن والتفكير فريضة إسلامية، وغيرها الكثير، تُوفِّيَ العقاد في القاهرة عام 1964م.