الأديان والتاريخ
الأديان والتاريخ
لا يمكن لأحد أن ينكر محورية الدين كعامل أساسي في التكوين الحضاري للأمم، فلطالما كانت العقائد والملل والنِّحل المختلفة حاضرة وبقوة في خط الصراع التاريخي للحضارات المختلفة، بل في بعض الحقب التاريخية كانت السبب الأول للنزاعات والصراع، فمهما استنار البشر بمصباح العقل ظلَّت هناك مناطق روحية معتمة لا تُضاء إلا بجذوة مشتعلة من عقيدة ما صحيحة كانت أو فاسدة، ومن هنا كانت العقائد أشد تأثيرًا في تاريخ الأمم والشعوب بالقدر الذي يمكنها فيه التوفيق بين مطالب الجسد والروح أو بين الدنيا والآخرة، ولذا اندرست معظم العقائد وخفت نجمها وبقيت الديانات الرئيسة الثلاث، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام.
ورغم الخلط الحادث في العقيدة اليهودية نتيجة التحريف المصطنع الذي أصابها والذي ألقى بظلاله بلا شك على النظرة اليهودية إلى التاريخ، وبعيدًا عن الحكم على مدى صحة هذا الاتجاه التفسيري للتاريخ، نجد أن فكرة الإله والصراع بين السماء والأرض والشعبوية العنصرية (شعب الله المختار) هي أفكار متأصلة ومتكررة عبر العديد من الحوادث المتفرقة خلال العهد القديم، والذي يعد بدوره السجل التاريخي الأساسي لليهود، كما تعتقد اليهودية أن التاريخ البشري يبدأ من الله باعتباره الخالق لكل الموجودات، ورغم أن الله أنزل آدم من الجنة فقد ظل على اتصال دائم بالبشر خلال الحقب التاريخية المختلفة وفق التصور اليهودي.
وتبدأ عملية انهيار الحضارات شيئًا فشيئًا بنبذ كل تلك العقائد والديانات لصالح سيطرة المادية والانفتاح غير المنضبط على وسائل الترف وسيطرته على أنماط التفكير، وبعدما كانت الأشياء المادية مجرد وسيلة للنهضة والرقي تسير في مضمار القيم والأفكار انقلبت لتصبح هدفًا في حد ذاتها، ويمتد الأمر حتى يصل إلى فساد الملوك والأمراء وظهور فجوات هائلة بين طبقات المجتمع المختلفة نتيجة عدم التوزيع العادل للثروة، وهنا تتلقى الحضارة الضربات من الداخل والخارج فيتحلَّل نسيجها وترقص رقصة الموت الأخيرة.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
لماذا تسقط الأمم؟ ولماذا تتداعى الحضارات التي كان يُظنُّ يومًا ما من الأيام أنها أكبر من أن تسقط؟ هذا الثقل النفسي الرهيب الذي يفرزه هذا السؤال الصعب هو ما دفع العلماء والمفكرين والساسة وأصحاب الرأي إلى الاعتكاف على دراسة التاريخ والوقائع والأحداث، لعلَّهم بذلك يستلهمون فقه الحضارات ويهتكون أستار السنن الكونية والاجتماعية الحاكمة لمسيرة الجنس البشري عبر العصور، وهذا بالضبط هو موضوع الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
عبد الحليم عويس: ولد في يوليو 1942، بمدينة المحلة الكبرى محافظة الغربية بدلتا مصر، حصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية (1968م)، وعلى الماجستير (1973م) عن أطروحته دولة بني حماد في الجزائر، والدكتوراه (1978م) عن أطروحته ابن حزم الأندلسي مؤرخًا في التاريخ والحضارة الإسلامية من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ثم عمل أستاذًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المصرية والعربية، كما أنه عضو اتحاد كتاب مصر، وخبير بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وعضو نقابة الصحفيين، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة، ورئيس تحرير مجلة “التبيان” التابعة للجمعية الشرعية بمصر، توفي في ديسمبر من العام 2011.
من مؤلفاته: “المسلمون في معركة البقاء”، و”فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية”، و”دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية”.