مؤيد ومعارض
مؤيد ومعارض
يمكن تقسيم العلوم بطبيعتها إلى علوم طبيعية وأخرى اجتماعية، فالأولى تتعامل مع الظواهر المادية بشكل أساسي كعلوم الكيمياء والطبيعة، والأخرى تتعلق بدراسة الإنسان والعلاقات التي تربطه بمحيطه الخارجي كعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد، ويخطئ البعض في توحيد معايير الحكم على كلا النوعين، فلكلٍّ منهما طابعه الخاص المميز، ولذا شكَّك البعض في مدى إطلاق وصف العلمية على بعض العلوم الاجتماعية كونها أقرب إلى الافتراضية مع التزامها بنوع ما من التعميم المجرد مما يُصعِّب من عملية اختبار نتائجها للتأكُّد منها.
إلا أن من الواضح بجلاء أن تلك العلوم الاجتماعية قطعت أشواطًا كبيرة في بناء أركانها، لا سيما أنها تنتظم مع بقية العلوم المادية الأخرى وفق قانون البناء الفلسفي ومناهج البحث العلمي من استقراء الجزئيات واستنباط الكليات، الأمر الذي يساعد الباحثين على بناء كثير من الحقائق الاجتماعية التي تشترك مع غيرها من الحقائق الكونية في الوضوح وإن اختلفت عنها في درجة السطوع، فرغم أن فلسفة التاريخ تعمد إلى الكشف عما يمكن تسميته بالقوانين التاريخية، فهي بذلك لا تعني أن التاريخ يتكرَّر بحذافيره، فما مضى لا يعود، وإنما تعني أن أسباب صعود الأمم وهبوطها والنتائج المترتبة على المقدمات المتماثلة هي التي تتكرر ذهابًا وإيابًا في دروب التاريخ.
ورغم أن بعض القوانين التاريخية قد تتباين في طريقة الإفصاح عن نفسها وإعمال أثرها بين الأمم المختلفة، بل حتى قد تتخلَّف بعض القوانين أحيانًا لسبب أو لآخر، فإن ذلك لا يخوِّل لنا سلب وصف العلمية منها، فالخطأ في تفسير الواقع لا ينبغي أن ينسحب على الوقائع نفسها وإنما على المفسر، فكم من القوانين والنظريات الخاصة ببعض العلوم الطبيعية قد بان خطؤها، بل أغلبها إذا تم تغيير الوسط المحيط بها تغيرت نتائجها، ومع ذلك لم ينادِ أحد ما بسلب وصف العلمية من تلك العلوم، فالبناء التراكمي للعلوم يصحِّح بعضه بعضًا.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
لماذا تسقط الأمم؟ ولماذا تتداعى الحضارات التي كان يُظنُّ يومًا ما من الأيام أنها أكبر من أن تسقط؟ هذا الثقل النفسي الرهيب الذي يفرزه هذا السؤال الصعب هو ما دفع العلماء والمفكرين والساسة وأصحاب الرأي إلى الاعتكاف على دراسة التاريخ والوقائع والأحداث، لعلَّهم بذلك يستلهمون فقه الحضارات ويهتكون أستار السنن الكونية والاجتماعية الحاكمة لمسيرة الجنس البشري عبر العصور، وهذا بالضبط هو موضوع الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
عبد الحليم عويس: ولد في يوليو 1942، بمدينة المحلة الكبرى محافظة الغربية بدلتا مصر، حصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية (1968م)، وعلى الماجستير (1973م) عن أطروحته دولة بني حماد في الجزائر، والدكتوراه (1978م) عن أطروحته ابن حزم الأندلسي مؤرخًا في التاريخ والحضارة الإسلامية من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ثم عمل أستاذًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المصرية والعربية، كما أنه عضو اتحاد كتاب مصر، وخبير بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وعضو نقابة الصحفيين، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة، ورئيس تحرير مجلة “التبيان” التابعة للجمعية الشرعية بمصر، توفي في ديسمبر من العام 2011.
من مؤلفاته: “المسلمون في معركة البقاء”، و”فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية”، و”دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية”.