الفرح المباح
الفرح المباح
تعرَّضنا سابقًا للفرح المحمود في ذاته والفرح المذموم في ذاته، والآن سنتعرَّف على الفرح المباح، والفرح المتعلِّق بالسبب، أي لو كان في مرضاة الله فهو محمود، وإن كان فيما يبغضه الله فهو مذموم، مثال الفرح بمتاع الدنيا مباح، لكن إذا جعل الإنسان يغفل ويلهى عن الآخرة فهو مذموم، وذلك للكافر حيث يزداد كفرًا ومعصية، كما أنه عرف الدنيا وتعلَّق بها فأفسد في الأرض وفرح بذلك، كما اطمأن كأنه سيعيش أبدًا في الدنيا وغفل عن الدار الآخرة، ولا يدرك أن متاع الدنيا قليل وفانٍ كما قال الله (عز وجل): ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾، وأيضًا قال رسول الله (ﷺ): “ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع”.
لذا الضابط للفرح بالدنيا لأنه يقع بين الحلال والحرام، هو سبب الفرح بالدنيا، فقال فيها ابن عباس (رحمهما الله) ضابطًا الفرح في الدنيا كي يكون مباحًا “ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرًا، ومن أصابه خير فجعله شكرًا”، وذلك لأن معيار الفرح والحزن لو حُكم عند المسلم بأن فقده في الدنيا ابتلاء فيعقبه صبر وشكر لا جزع، كان فرحه وحزنه مباحًا في الدنيا، أما الفرح والحزن المنهي عنهما فهما اللذان يتعديان على حدود الله ويشملهما الجزع، وهنا فرح مذموم لأنه يتبعه سلوك سيئ، فقد قال ابن كثير محذرًا: “لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم؛ فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدِّكم، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم، فلا تتخذوا نعم الله أشرًا وبطرًا، تفخرون بها على الناس؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.
ومن باقي صور الفرح المباح: الفرح بتفريج الهم وقضاء الحوائج، وبالقوة، والمال الحلال، وبإنجاب الولد وهو فرح فطري، وبتعليم العلم وتعلُّمه، وقد يتحوَّل ويصير مذمومًا لو استخدم فيما حرمه الله، أو لأجل ربح مادي فقط، أو الغرور به، أو قد يكون علمًا يضل به نفسه ومن حوله.
الفكرة من كتاب الفرح في القرآن الكريم (دوافعه النفسية وآثاره السلوكية)
من أهم العلوم التي شغلت البشرية على مدار التاريخ القديم والمعاصر، هي معرفة طبيعة النفس البشرية، لكي يتم فهمها وتقويمها ولحماية الإنسان، وبخاصةٍ فهم الانفعالات البشرية من مشاعر مثل الحُزن والخوف والحُب والفرح، ولأن الإنسان يحيا حياته بتلك الانفعالات الكثيرة المتناقضة، ويقضي عُمره في البحث عن انفعال أساسي وهو (الفرح)، ويهرب من الحزن والهم، ولأنه في رحلة حياته بهذه الطريقة لا يعطي لأفراحه ولا أحزانه حجمها الطبيعي حتى تنعم حياته بتوازن طبيعي قد فطره الله عليه، فقد استند الكاتب هنا في كتابه عن مفهوم الفرح المحمود والمذموم في القرآن الكريم، ودوافعهما النفسية، وآثارهما السلوكية في حياة الإنسان.
مؤلف كتاب الفرح في القرآن الكريم (دوافعه النفسية وآثاره السلوكية)
يوسف علي حسن بدر: أستاذ في التفسير، وإمام وخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت.