فَرحِين بِما آتاهم الله
فَرحِين بِما آتاهم الله
وهناك نوع من أنواع الفرح والبُشرى، وهو الفرح بالولد الصالح، ويؤجر عليه المسلم لفرحه بصلاح ابنه، مثل دعوة سيدنا زكريا حين قال: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾، وقد دعا سيدنا زكريا ربه متضرعًا مخلصًا خوفًا من أن يموت دون أن يرث أحد عنه دعوة الناس إلى الله (عز وجل)، لذا طلبه للذرية لم يكن بهدف دنيوي، بل لمصلحة الدين، لذا استُجيب له، وهو أيضًا طلب عباد الله الصالحين وقد ذكرهم الله في كتابه فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، وهو فرح محمود لأنهم يدعون الله بطلب الذرية لصلاح الدين والدعوة إلى الله وليس الفرح بالحصول على الذرية فقط.
والفرح بمعية الله (عز وجل) والنصر وهلاك الظالمين فرح محمود، كما حدث مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيدنا أبي بكر الصديق، حين خرجا من مكة بسبب سعي المشركين لقتل النبي، فاختبأوا في غار ثور وسعى وراءهم المشركون، وقال سيدنا أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه وقال: “نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه! فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين، الله ثالثهما؟”، حين كان في إحدى غزوات المسلمين الذين كانوا في قلة أمام محاربة الكثير من الكفار ومع ذلك أطاعوا الله ورسوله، فوعدهم وبشرهم الله (عز وجل) بالنصر وأنزل عليهم السكينة وأمدهم بملائكة لا تُرى كي تساعدهم على النصر، وقد قال الله (سبحانه وتعالى) في كتابه واصفًا: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، فلم يخذل الله نبيه وأصحابه.
الفكرة من كتاب الفرح في القرآن الكريم (دوافعه النفسية وآثاره السلوكية)
من أهم العلوم التي شغلت البشرية على مدار التاريخ القديم والمعاصر، هي معرفة طبيعة النفس البشرية، لكي يتم فهمها وتقويمها ولحماية الإنسان، وبخاصةٍ فهم الانفعالات البشرية من مشاعر مثل الحُزن والخوف والحُب والفرح، ولأن الإنسان يحيا حياته بتلك الانفعالات الكثيرة المتناقضة، ويقضي عُمره في البحث عن انفعال أساسي وهو (الفرح)، ويهرب من الحزن والهم، ولأنه في رحلة حياته بهذه الطريقة لا يعطي لأفراحه ولا أحزانه حجمها الطبيعي حتى تنعم حياته بتوازن طبيعي قد فطره الله عليه، فقد استند الكاتب هنا في كتابه عن مفهوم الفرح المحمود والمذموم في القرآن الكريم، ودوافعهما النفسية، وآثارهما السلوكية في حياة الإنسان.
مؤلف كتاب الفرح في القرآن الكريم (دوافعه النفسية وآثاره السلوكية)
يوسف علي حسن بدر: أستاذ في التفسير، وإمام وخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت.