طريقُ العِلم والتعليم
طريقُ العِلم والتعليم
إن الشهادة وثيقة رسميّة “بالمدّة” التي تم قضاؤها انتسابًا لمقعدٍ في مدرسةٍ أو جامعة، لكن الحقيقة التي كان يحُث عليها الدكتور عمر طلابه، هي حصولهم على وثيقة “بالعمل الحقيقي” الذي حصّله في رحلته العمليّة، والشهادة إنما هي مجرّد مفتاح لباب الحياة، إلّا أنه كان شديد التحفّظ على طُلّاب ما بعد زمانِه، لأنهم مستغرقون في ملذات الحياة، ولا يبذلون الوقت والذهن في العِلم والتعلّم، وآفتهم التي تواجه الأساتذة معهم هي الجهل بإجابة سؤال “لماذا تتعلم؟”، وقد تبنى رأيًا في ما يخص الاختبارات التحصيلية في درجة “البكالوريا”، فقد رأى أنها مقياس لتحصيل العلم لا لمقدرة الطالب على حدٍّ سواء، لقد كانت دراسته في المدرسة الابتدائية التابعة للجامعة الأمريكيّة فرصةً لحصوله على أنواعٍ مختلفة من الفنون الدراسيّة، مما أسهم في توسيع أُفقِه، كالتربية البدنية، واللغات الأجنبيّة، بالإضافة إلى اللغة العربيّة، والجبر، والحساب، والهندسة، وعلم الحيوان، وكذلك تعلمه على أيدِي مدرسين متمكنين، كما عمل في مدرسة المقاصِد الخيريّة عالمًا بُقدراتِه، فعُرضت عليه مرارًا مناصب إداريّة، إلّا أنه رفضها مرّة بعد مرّة، حِكمةً منه وفطنة، وقد أعلى مكانة مدارس المقاصد كثير من المعلمين ذوي الكفاءة، وقد كان يرى أن حياته في هذه المدرسة كانت مزيجًا من السمن والعسل والقمح والماء واللؤلؤ والذهب أي أنها رحلة مليئة بالكثير من المعاني والتجارب الراسخة في ذهنه، وقد بانَ أثر رغبة الدكتور عمر وحبه للعلم في سن صغيرة، وقد ذكر أحد المواقف التي أثرت في حياته مستقبلًا وحياة من أتوا من بعدِه في القسم الثانوي للجامعة الأمريكيّة، حيث عبّر عن رغبته بتعلّم اللغة الألمانيّة، وجمع عشرة من زُملائه لأجل ذلك، وذهب بهم إلى الأستاذ فوافق، حينها أصبحت اللغة الألمانيّة مادّة تّدرّس في مناهج الجامعة الأمريكيّة، فكانت رغبة هذا الطالب الصغيرة، طريقًا ممهدًا للطلاب من بعدِه.
الفكرة من كتاب غبار السنين
هذا الكِتاب عرضٌ لغبار خطوات المؤلّف في حياتِه، تارِكًا فيه عنان التقييم للقارئ، غيرَ محتكرٍ لمعنىً أو أثر، وأغلب هذه الخطوات من الحياة الاجتماعيّة للمؤلف، ومن أسفارِه، وعملِه، ونشأته، والكتاب مكون من مقالات متفرقة نُشرت في جريدة السفير، وآثر فيها الكاتب أن تكون نابعةً منه دون أي تأثير خارجيّ؛ فرفض الحصول على أجرٍ ماديّ مقابل هذه المقالات، حتى لا يتأثر -مجبرًا- بسياسة الجريدة الداخليّة، مرّت فيها حياته بالكثير من المراحل والعناوين الرئيسة، وقد تعامل الدكتور عمر بجديّة -على عكس السائد- في كتابة مقالاته بشكلٍ عام، وذلك لسببين: أولهما أن له كُتبًا مكونة من مقالاتٍ مجمّعة، ككتابنا هذا، والثاني أن بعض كتبه كان تمهيدها مقالًا مكتوبًا في إحدى الجرائد، لذا فقد اعتنى عنايةً كبيرة بهذه المقالات.
مؤلف كتاب غبار السنين
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثًا وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم، منها تاريخ الأدب العربي، وتاريخ الإسلام المصوّر في التأليف، والسيرة النبويّة لابن عفّان، وتاريخ ابن شهاب في التحقيق.