أسفار
كان منبعُ أسباب سفرهِ هو إيمانه بحكمةِ ابن خلدون القائل فيها: إن الرحلةَ في طلبِ العلم مزيدُ كمال في التعلم، وعلى إثر هذه الحكمة زارَ الدكتور عمر ثلاثًا وخمسين مدينة وبلدة وقرية في ألمانيا وحدها، وقد ركّز في رحلته العلميّة على العلم فقط، بعيدًا عن الملذّات، وانصرف عن القرب من هذه الملذّات تصديقًا لحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) “من حَامَ حولَ الحِمى يوشك أن يقع فِيه”، مما أتاح له الفرصة للاستفادة بأجود ما يكون من أسفارِه، ورحلتهِ في طلب العِلم، التي بدأت من ألمانيا، فقد ذهب الدكتور عمر إلى ألمانيا في الثامنةِ والعشرين من عمرِه، رجلًا ناضجًا، نشأ في بيئة واعية، فلم ينجرف بسهولة خلف زينة أوروبّا، وقد أشرف على رسالته في ميونخ المستشرق يوسف هل، ثم بعد قضائه الفصل الأول في برلين، ذهب أربعين يومًا إلى باريس، قابل في هذه الرحلة ويليام مارسيه والعديد من المستشرقين الفرنسيين الذين حضر لهم بعض الدروس بما سمح له الحال، وكان ذلك بناءً على توصية أستاذه يوسف هل بهذه الزيارة، ثم عاد إلى باريس مرةً أخرى بعد انتهائهِ من الدراسة في ألمانيا، وقد كانت أول زيارة له في فرنسا عام 1936م، وفي فترةِ تعليمه في ألمانيا فَشت النقمة على اليهود، وتم منعهم من التدريس، ومُيّز طلابهم في الجامعات بالبطاقات السوداء، وكانت النازيّة في أوجِ قوّتها، وبعد عودته إلى بيروت عمل مدرسًا في مدرسة المقاصد الخيريّة، وقد ذهب الدكتور عمر إلى بغداد زمانًا، وعمِل بدار المعلّمين العالية، ثم عاد مرّة أخرى إلى بيروت، وفي أسفارِه اهتم كثيرًا بإرسال الرسائل إلى الأهل والأصدقاء، وزار الولايات المتحدة الأمريكيّة عام 1978م، وفي العام نفسه زار لندن، وقد سبقتها زيارةٌ إلى لندن عام 1973م، وكذلك زار الجزائر وبريطانيا ما يقارب الأربعين يومًا.
الفكرة من كتاب غبار السنين
هذا الكِتاب عرضٌ لغبار خطوات المؤلّف في حياتِه، تارِكًا فيه عنان التقييم للقارئ، غيرَ محتكرٍ لمعنىً أو أثر، وأغلب هذه الخطوات من الحياة الاجتماعيّة للمؤلف، ومن أسفارِه، وعملِه، ونشأته، والكتاب مكون من مقالات متفرقة نُشرت في جريدة السفير، وآثر فيها الكاتب أن تكون نابعةً منه دون أي تأثير خارجيّ؛ فرفض الحصول على أجرٍ ماديّ مقابل هذه المقالات، حتى لا يتأثر -مجبرًا- بسياسة الجريدة الداخليّة، مرّت فيها حياته بالكثير من المراحل والعناوين الرئيسة، وقد تعامل الدكتور عمر بجديّة -على عكس السائد- في كتابة مقالاته بشكلٍ عام، وذلك لسببين: أولهما أن له كُتبًا مكونة من مقالاتٍ مجمّعة، ككتابنا هذا، والثاني أن بعض كتبه كان تمهيدها مقالًا مكتوبًا في إحدى الجرائد، لذا فقد اعتنى عنايةً كبيرة بهذه المقالات.
مؤلف كتاب غبار السنين
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثًا وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم، منها تاريخ الأدب العربي، وتاريخ الإسلام المصوّر في التأليف، والسيرة النبويّة لابن عفّان، وتاريخ ابن شهاب في التحقيق.