عودة الشعب المختار
عودة الشعب المختار
يطرح الكاتب سؤالًا مهمًّا ألا وهو: كيف انتقل الرأي العام من هذه البغضاء لليهود إلى القبول التام والإشادة؟ وكيف حدث هذا التماهي بين المسيحية واليهودية؟
إن هذا التحول يرجع إلى كون قضية اليهود في هذا الوقت قد أصبحت جزءًا من قضايا التحرر في الفكر الغربي وهو نفس الوقت الذي كان اليهود نشطين فيه في خدمة المجتمع، وأصبحت العودة للعبرية تأخذ معنى دينيًّا يتضمن العودة للجذور المسيحية التي زُعِم بأنها يهودية، وطُبع الكتاب المقدس بالعبرية في إيطاليا سنة 1488، ومن بعده التلمود، وانتشرت الترجمات بالعبرية لكُتاب ومؤرخين غير يهود.
وفي القرن الثامن عشر ظهرت حركة هاسكالا التنويرية اليهودية – التي كانت مواكبة لحركة التنوير في أوروبا في هذا الوقت – التي دعت اليهود إلى التمسك بالعبرية والعودة لها، وتميزت الحركة بخروجها من الصبغة الدينية ومناداتها بالحس القومي بين اليهود، فظهر الاهتمام بالعبرية خارج النطاق الديني وظهرت أول صحيفة بالعبرية عام 1886، ولاقت الحركة قبولًا لدى حركة التنوير الأوروبي.
وقبل ذلك ولدت في القرن السابع عشر الحركة البيوريتانية، وهي حركة نشأت داخل الكنيسة لإصلاحها ومحاولة التوفيق بين الكاثوليك والبروتستانت، لكنها سرعان ما اصطدمت بسلطة الكنيسة وبالملك، وبطرحها مسألة السلطة المدنية تحولت إلى حركة ذات طابع سياسي الأمر الذي أدى لقمعها وهجرة البيوريتان من إنجلترا لأمريكا، وعندها تلاقت مع الحركة الاستعمارية الأوروبية التي كانت ترى أن السكان الأصليين ما هم إلا مخلوقات شيطانية، فالتقى شعورهم بالتميز العرقي مع الفكر اليهودي!
وقد دخلت التعابير التوراتية على المسيحية منذ القرن الرابع عشر مثل “الأسر البابلي”، الذي حصل لليهود على يد نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد، واستخدمها من بعد ذلك دزرائيلي حين قال لن تتحول لندن إلى بابل، أما باترسون في كتابيه الألفية الجديدة والنظام العالمي الجديد فيقول عن حرب الخليج الثانية بعد اجتياح صدام للكويت: إن أمم الأرض قد تجمعت كما تقول النبوءات العبرانية للدفاع عن إسرائيل وها هو انتقام من بابل بقصفها على ما فعلت باليهود، فتلك الحرب لم تكن مجرد معركة من أجل الكويت بل كانت حربًا حاسمة لصراع مدته أربعة عشر قرنًا بين الإسلام ومنافستيه المسيحية واليهودية!
الفكرة من كتاب تهويد المعرفة
في مطلع القرن الثامن عشر بدأت صورة اليهودي في الأدب والواقع الإنجليزي تتغير تمامًا عن صورة اليهودي الجشع والمستغل إلى اليهودي الإنسان المعين والطيب الذي يمكن أن يساهم في حل المشكلات الاقتصادية بثروته!
يبين لنا ممدوح عدوان من خلال دراسته كيف عمل اليهود على إعادة صياغة التاريخ بغرض طمس تاريخ فلسطين وتصويرها أرضًا خالية إلا من اليهود على مر العصور، وقد قدموا أطروحاتهم في المؤسسات الأكاديمية لتكون ضاغطة على المجتمع العلمي، في جزء من مشروع يهودي يعمل على العقل الأوروبي، ليكون بهذا استعمارهم للعقل والفكر لا للأرض وحسب، متحدثًا أيضًا عن نفوذ اليهود على الديانة المسيحية واعتبارها امتدادًا لليهودية، وسعيهم للتغلب على الكراهية تجاههم بقتلهم المسيح، حتى إنهم استصدروا فتوى بتبرئتهم من دم المسيح من البابا نفسه.
مؤلف كتاب تهويد المعرفة
ممدوح عدوان (1941- 2004): كاتب وشاعر ومسرحي سوري.
تخرج في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب جامعة دمشق، وعمل في الصحافة وفي التدريس بالمعهد العالي للفنون، وله العديد من المجموعات الشعرية والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والكتب، إضافةً إلى العديد من الترجمات.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
حيونة الإنسان.
هواجس الشعر.
هملت يستيقظ متأخرًا.
المتنبي في ضوء الدراما.
محاكمة الرجل الذي لم يحارب.