بين العبدِ وربِّه
بين العبدِ وربِّه
يكمُل الحوار الجليل بين الله والعبد، فبعد الحمدِ يأتي قوله: “ربِّ العَالمِين”، تتمثَّل العبوديَّة في هذا الثناء أَن شهِد العبدُ بتفرُّد الربوبيَّة لله وحده، ثم تكون عبوديَّة الذُّل والانقياد، والكفّ عن الظُلم والمعاصي في قولِه: “مَالِكِ يَومِ الدِّين”، ويُعيد تكرار أوصاف كمال ربِّنا، ويُثني عليه فيقول: “الرَّحمَن الرحِيم”، فيُجيب ربُّ العزة “أثنى عليَّ عبدي”، وذلك لأن الثناء يكون بتكرارِ المحامِد، وتِعداد أوصاف المحمود، وحين يُمَجَّد الله في قوله: “مَالِكِ يَومِ الدِّين” يقول ربُّنا: “مجَّدني عبدي”، وذلك لاشتمال المجد على التعظيم والإجلال، أما حين يصلُ العبد إلى قولِه: “إيَّاك نعبد وإيَّاك نَستَعِين”، هُنا يأتي من الله جوابٌ جميلٌ جليل، تقشعرُّ منه جلود الذين آمنوا فيقول ربُّنا: “هذا بيني وبَين عَبدِي، ولِعبدي ما سَأل”، فتأمَّل!، وفي هذا النداء جمال في تقديم العبادة على الاستعانة، وذلك لأن العبادة لله، والاستعانة للعبد، فُقدِّم حقُّ الله على حقِّ العبد، ويدور القرآن جميعه في فلك هاتين الكلمتين، فكُلُّ عبادة لا تكون لله وبالله فهي باطلة، وكل استعانة لا تكون بالله فهي خُذلان.
ثم تأتي الهداية كدُعاءٍ ردًّا على إجابة الله (عزَّ وجل) فيقول: “اهدِنا الصراط المُستقيم”، فهي موطِن افتقار العبد، وذلك لاشتمالِ عملِه على أسبابٍ كثيرة: أمور يفعلها على غير هُدى علمًا وعملًا وإرادة، وأمور هُديَ إليها دون تَفصيل، وأمور هُديَها من وجه دون وجه، وأمورٍ يحتاج الهداية فيها في مستقبله، وأمورٍ يحتاج إلى الهداية بها إلى الاعتقاد الصحيح فيها، وأمورٍ يعتقدُ فيها الهداية وهي ليست كذلك، وأمور هو قادر عليها لكن لا إرادة له فيها، وأمور لا يقدر عليها وهو لها مُريد، وأمورٍ لا يقدر عليها ولا يُريدها، وأمورٍ قد هُدي فيها على أوجهها كاملة لكنَّه يحتاج فيها إلى الثبات، وقد تباينت أنواع الخَلق في الهداية، فقومٌ أنعم الله عليهم بها، وقوم ضلُّوا عنها، وقومٌ عرفوها ولم يعملوا بها وهم المغضوب عليهم.
الفكرة من كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
هذا الكتاب رسالة منفصِلة من كتاب “الكلام على مسألةِ السماع”، أُعيد النظر فيها، وأُضيف، وحُذف مِرارًا حتى صارت بشكلها الحالي، وفي عقد مقارنة بين ذائقة الاستماع إلى الأغاني، وذائقة القيام إلى الصلاة وذِكر الله، يتبينُّ أن كليهما طريقان لا يجتمعان، فإذا ضعف ذوق زاد الآخر، والصلاةُ في عيون المُحبِّين لذَّة، وقرارٌ للعين، وبُستان للنفس، وصاحِب القلبِ الصادق يرى في صلاتِه الوِصال بعد طول الهجر، والماءُ البارد في جوفٍ جفَّ من حرِّ الشمس، والغيثُ الذي يُربِّي قواحِل الصدور، فلا يُفرِّط فيها، بل وينتظرها من الأذان إلى الأذان، ويكون حاله بها كحال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين كان يقول: “أرِحنا بِها يا بِلال”.
مؤلف كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
محمد بن أبي بكر بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي: من سوريا وُلِد في دمشق عام 1292م، وتُوفي عام 1350م في الثامنة والخمسين من عمره، عُرف بابن قيِّم الجوزيَة، وتتلمذ ورُبِّي على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وسار على نهجِه في العقيدة، وكان فقيهًا مُحدِّثًا.
كان ابن قيِّم الجوزيَة ذا أسلوبٍ أدبي جميل في أغلب مؤلفاته التي منها: “زادُ المعاد في هَدي خَير العِباد”، و“عُدَّة الصابرين وذَخيرة الشَّاكرين”، و“إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين”، وكثير من المؤلفات والعلوم التي أثرت المكتبة الإسلامية وعُلومها.