مقامُ الحمد
مقامُ الحمد
بُنيت الصلاة على خمس، ألا وهِي: القراءة حيث قال ربنا في مُحكم آياتِه: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، والقيام فقد قال تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، والركوع فيما قال الله (عزَّ وجل): ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، والسجود لقولِهِ تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾، والذِكر في قولِه (عزَّ وجل): ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾، وأشرفُ أفعالِ الصلاة السجود، وأشرفُ أذكارِها قراءة القرآن، وإذا تدبَّر العبد أوَّل سورةٍ نُزِّلت وهي “اقرأ” لوجد أنها بدأت بالقراءة، وخُتمت بالسجود، دلالةً على هذا المعنى العظيم.
وتبدأ القراءة بالفاتحة التي لها نصيبٌ عظيم من الحرص والمقام في صلاةِ المؤمن، فالإخلال بها يؤدي إلى بُطلان الصلاة، أما هي في ذاتها فإنها حوارٌ غاية في اللطف والجمال، بين مالِك المُلك، وذلك العبد الضعيف المُفتقر إلى رحمةِ الله ورِضوانِه، لذا يكون التأنِّي في تلاوتها وانتظار جوابِ الله (عزَّ وجلَّ) لتلاوة العبد من تمام هذهِ العبادة، وبدايتها حمدُ الله ربِّ العالمين، فيُجيب ربُّ العِزة: “حمدني عبدي”، ومقامُ الحمدِ مقامٌ جليل، فالكونُ كله هَادِرٌ بحمدِ الله وتسبيحه، فمَا وُجِدنا إلَّا بحمدِه، ولا كان ما كان إلَّا بحمدِه، ولا عُمِّرت جنَّة أو نارٌ إلَّا بحمدِه! وسُبحانه، محمودٌ لذاته حتى وإن لم يحمده أحد، ولا يُحصي محامده أحد، وهذا الحمدُ الساري على لسان العبد إنما هو نعمة تستحق الحمد؛ فهو الذي ألهم العبد حمده، ويسَّر له لسانًا ناطقًا ونفَسًا جاريًا يحمد بهما، وهو الذي علَّمه وذكَّره، ولولا الله سبحانه ما اهتدى أحد، وأثر هذا الحمد في حياة المؤمن هو تتبُّعه لنعم الله (عزَّ وجلَّ) عليه حتى وإن صغرت، وحتى ما ضاقت نفسهُ بها لأنه يؤمن دائمًا بالحكمة الغائبة المليئة باللطف والرحمة، فيكثر الحمد، فيُبارك الله (عزَّ وجلَّ) فيما أعطاهُ من نِعَم.
الفكرة من كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
هذا الكتاب رسالة منفصِلة من كتاب “الكلام على مسألةِ السماع”، أُعيد النظر فيها، وأُضيف، وحُذف مِرارًا حتى صارت بشكلها الحالي، وفي عقد مقارنة بين ذائقة الاستماع إلى الأغاني، وذائقة القيام إلى الصلاة وذِكر الله، يتبينُّ أن كليهما طريقان لا يجتمعان، فإذا ضعف ذوق زاد الآخر، والصلاةُ في عيون المُحبِّين لذَّة، وقرارٌ للعين، وبُستان للنفس، وصاحِب القلبِ الصادق يرى في صلاتِه الوِصال بعد طول الهجر، والماءُ البارد في جوفٍ جفَّ من حرِّ الشمس، والغيثُ الذي يُربِّي قواحِل الصدور، فلا يُفرِّط فيها، بل وينتظرها من الأذان إلى الأذان، ويكون حاله بها كحال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين كان يقول: “أرِحنا بِها يا بِلال”.
مؤلف كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
محمد بن أبي بكر بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي: من سوريا وُلِد في دمشق عام 1292م، وتُوفي عام 1350م في الثامنة والخمسين من عمره، عُرف بابن قيِّم الجوزيَة، وتتلمذ ورُبِّي على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وسار على نهجِه في العقيدة، وكان فقيهًا مُحدِّثًا.
كان ابن قيِّم الجوزيَة ذا أسلوبٍ أدبي جميل في أغلب مؤلفاته التي منها: “زادُ المعاد في هَدي خَير العِباد”، و“عُدَّة الصابرين وذَخيرة الشَّاكرين”، و“إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين”، وكثير من المؤلفات والعلوم التي أثرت المكتبة الإسلامية وعُلومها.