قلبٌ طاهِر
قلبٌ طاهِر
إن القلب أرض، والأرضُ الجدباء لا أمَل منها إلَّا قليلًا، وهذه الأرض تتعرَّض من الدُنيا لما يكفيها ويفيض حتى تصل إلى الجدب الذي لا أمل فيه، لكنَّ رِيَّها في الصلاة، وزرعهُا في قلبِك، هذا الزرع الذي ستقطف ثماره في أيامِ الشدَّة قبل الرخاء، وروح المؤمن إن أجدبت هرولت إلى بارئها طالبةً الغوث والعون، فلا يكون هذا إلا لله (عزَّ وجل)، ولا يقدر على هذا الغوث إلَّا الله (عزَّ وجل)؛ فللزرع الأخضر أغصانٌ لينة مُنقادة، إذا هُديت إلى أمر الله سارَت إليه، ومنبع اليُبس والجدب في قلب المؤمن هو الغفلة، والغفلة مؤذِنة بخلوِّ القلب من حبِّ الله ومعرفته وتوحيده (سبحانه وتعالى)، ولا تكون الصلاةُ إلَّا بإقبال القلب فيها على الله، تارِكًا نفسهُ والدُّنيا وراءه، واقفًا أمام بابِ الله، مُعتذرًا، مُنيبًا، داعيًا، راجيًا، مُقرًّا فقال ربُّ العزَّة (جلَّ وعلا) في الحديث القدسي: “ابن آدَم خلقتُك لنفسِي وخلقتُ كلَّ شيءٍ لك، فبحقِّي عليكَ ألَّا تشتغِل بِما خَلقتُه لَك عمَّا خلقتُك لَه”، وفي هذه الحروف تمام المعنى المُراد، وكمالُه.
إن صلاح الجوارِح من صلاح القلب، وقد انقسم الناس في مذاهبهم في العمل بالجوارِح إلى ثلاث فئات: منهم من استعملها فيما خُلقت له، ومنهم من استعملها فيما لم تُخلق له، ومنهم من عطَّلها وأماتها بالركون والجهل، وهذا الأخير هو أبغضهم إلى الله، الذي لا عمل له ولا عِلم، فالأوَّل من أهل اليقظة، والثاني من أهل الخيانة، والثالث من أهل الغفلة، وقد هيَّأ الله (عزَّ وجلَّ) الجوارح خير تهيئة للشروعِ في الصلاة، فأمرنا بالوضوء، الذي يحمِلُ في ظاهرهِ طهارة البدن والجوارح لأداء العِبادة، ويحملُ في باطِنهِ طهارة القلب من درنِ العِصيان، والذنب، ويتشهَّد بعدها ويدعو الله بأن يقول: “اللهم اجعلني من التوَّابين واجعلني من المتطهِّرين”؛ فتكمُل مراتب الطهارة، أي أن الشهادة طهارةٌ من الشرك، والتوبة طهارةٌ من المعاصي، والماءُ طهارةُ للجوارح.
الفكرة من كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
هذا الكتاب رسالة منفصِلة من كتاب “الكلام على مسألةِ السماع”، أُعيد النظر فيها، وأُضيف، وحُذف مِرارًا حتى صارت بشكلها الحالي، وفي عقد مقارنة بين ذائقة الاستماع إلى الأغاني، وذائقة القيام إلى الصلاة وذِكر الله، يتبينُّ أن كليهما طريقان لا يجتمعان، فإذا ضعف ذوق زاد الآخر، والصلاةُ في عيون المُحبِّين لذَّة، وقرارٌ للعين، وبُستان للنفس، وصاحِب القلبِ الصادق يرى في صلاتِه الوِصال بعد طول الهجر، والماءُ البارد في جوفٍ جفَّ من حرِّ الشمس، والغيثُ الذي يُربِّي قواحِل الصدور، فلا يُفرِّط فيها، بل وينتظرها من الأذان إلى الأذان، ويكون حاله بها كحال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين كان يقول: “أرِحنا بِها يا بِلال”.
مؤلف كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
محمد بن أبي بكر بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي: من سوريا وُلِد في دمشق عام 1292م، وتُوفي عام 1350م في الثامنة والخمسين من عمره، عُرف بابن قيِّم الجوزيَة، وتتلمذ ورُبِّي على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وسار على نهجِه في العقيدة، وكان فقيهًا مُحدِّثًا.
كان ابن قيِّم الجوزيَة ذا أسلوبٍ أدبي جميل في أغلب مؤلفاته التي منها: “زادُ المعاد في هَدي خَير العِباد”، و“عُدَّة الصابرين وذَخيرة الشَّاكرين”، و“إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين”، وكثير من المؤلفات والعلوم التي أثرت المكتبة الإسلامية وعُلومها.