قُرَّة العين
قُرَّة العين
في ارتفاع اليدين بالتكبير أذانٌ للنفس ببداية طريق قرار العين، وهداية النفس، هذا الطريق الذي أنعم الله (عزَّ وجلَّ) بهِ على عبادِه المؤمنين، على يد نبيِّه الكريم (صلى الله عليه وسلَّم)، عِمادُه الإقبال، وطُويت بِه النفوس على شدوٍ وفرح للقيام بين يدي ملك الملوك (عزَّ وجل)؛ فيتجلَّى فيه معنى العبوديَّة الخالِص أنَّ “الله أكبر”، ولا معبودَ بحقٍّ إلَّا الله.
إنَّ الدُنيا مليئة باللذات والشهوات والشبهات، وقد جعلها الله امتحانًا للمؤمن، ولكن اقتضت رحمته وإحسانه (جلَّ وعلا) ألَّا يُترك المؤمن يُجابه هذه الدنيا بلا رِحابٍ طاهِر، يُقرُّ فيه بالعبوديَّة، ويستغفر الله فيه على ما مضى، ويستعين به على ما هو آتٍ، بل وزاد فيها من رحمته (عزَّ وجل) أن جعل كل فعلٍ من أفعال الصلاة عبوديةً لله سببًا في تكفير ما يُقابلها من ذنب عُصيَ فيه أمرُ الله، بل وزاد من جودِه وفضلِه في أن جعل في الصلاة أنواعًا من العبوديَّة كثيرة، فيُعطي فيها أجرًا على القول، والفعل، والسكون؛ فصارت الصلاةُ سببًا موصلًا إلى قرب الله (عزَّ وجلَّ)، وسبيلًا لمُناجاته، ومِحرابًا من محبتهِ والأُنس به، وقد شرع الله (عزَّ وجل) من رحمتهِ تِكرار هذه العِبادة لما يكون بين الصلاة والصلاة غفلةٌ، وجفوةٌ، وقسوة، ويؤسَرُ المسلم في سجن هواه، فيكون بمثابة إحياءٍ، وإنعاشٍ، وقرارٍ للعين.
وفي شريعة التكبير التي شرعها الله (عزَّ وجل) للانتقال بين أركان الصلاة، كانت مثيلتها في الانتقال بين مناسك الحجِّ من مشعر إلى مشعر، مُلبِّيًا ومُكبِّرًا، وسر هذا في معرفة العبد أن سرَّ الصلاة هو تعظيمُ الله، وتكبيره، وكُلما زاد تعظيم الربِّ في قلب العبد، خرج منه تعظيم الخَلق، وتصاغرت نفسهُ في عينه.
الفكرة من كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
هذا الكتاب رسالة منفصِلة من كتاب “الكلام على مسألةِ السماع”، أُعيد النظر فيها، وأُضيف، وحُذف مِرارًا حتى صارت بشكلها الحالي، وفي عقد مقارنة بين ذائقة الاستماع إلى الأغاني، وذائقة القيام إلى الصلاة وذِكر الله، يتبينُّ أن كليهما طريقان لا يجتمعان، فإذا ضعف ذوق زاد الآخر، والصلاةُ في عيون المُحبِّين لذَّة، وقرارٌ للعين، وبُستان للنفس، وصاحِب القلبِ الصادق يرى في صلاتِه الوِصال بعد طول الهجر، والماءُ البارد في جوفٍ جفَّ من حرِّ الشمس، والغيثُ الذي يُربِّي قواحِل الصدور، فلا يُفرِّط فيها، بل وينتظرها من الأذان إلى الأذان، ويكون حاله بها كحال النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين كان يقول: “أرِحنا بِها يا بِلال”.
مؤلف كتاب أسرار الصلاة.. والفرق والموازنة بين ذوق الصلاة والسماع
محمد بن أبي بكر بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي: من سوريا وُلِد في دمشق عام 1292م، وتُوفي عام 1350م في الثامنة والخمسين من عمره، عُرف بابن قيِّم الجوزيَة، وتتلمذ ورُبِّي على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وسار على نهجِه في العقيدة، وكان فقيهًا مُحدِّثًا.
كان ابن قيِّم الجوزيَة ذا أسلوبٍ أدبي جميل في أغلب مؤلفاته التي منها: “زادُ المعاد في هَدي خَير العِباد”، و“عُدَّة الصابرين وذَخيرة الشَّاكرين”، و“إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين”، وكثير من المؤلفات والعلوم التي أثرت المكتبة الإسلامية وعُلومها.