العسكر وبناء القصر والميدان والقطائع
العسكر وبناء القصر والميدان والقطائع
نزل أحمد بن طولون بالعكسر بدار الإمارة عندما أتى إلى مصر، وقد كان أمراء مصر ينزلون بالفسطاط إلى أن أتى صالح بن علي وأبو عون ومعهم جيوش بني العباس سنة ١٣٢هـ، فتجمعوا خارج الفسطاط في صحراء خالية يطل عليها جبل يشكر تُسمَّى “الحمراء القصوى”، فأمر أبو عون بتعميرها، فتم بناء الأسواق والمساكن، وشَيَّد صالح بن علي دارًا للإمارة، كما بنى ابنه جامعًا، فتكوَّنت مدينة جديدة سُمِّيت بالعسكر، وكانت ممتدة على شاطئ نهر النيل.
وبعد مجيء أحمد بن طولون إلى مصر لم يتسع العسكر له وأعوانه وأتباعه بسبب كثرتهم، فاختار أن يُقيم في مكان منعزل ومتسع، وقرَّر حرث القبور الموجودة فيه وبنى مكانها قصرًا عظيمًا، وجعل ما بين المساحة بين القصر وجبل يشكر ميدانًا كبيرًا، وتم بناؤه بدقة وإتقان وذلك في سنة ٢٥٦ هـ، وللميدان تسعة أبواب، وهي: باب الميدان وباب الصوالجة وباب الخاصة وباب الجبل وباب الحرم وباب الدرمون وباب دعناج وباب الساج وباب الصلاة، وذاع صيت الميدان حتى أصبح القصر يُعرف به.
أما ما يتعلق بالقطائع فقد أخبر أحمد بن طولون أتباعه أن يأخذوا لأنفسهم أرضًا حول الميدان، فـأخذ كل واحد قطيعة وبنى فيها، فسمي ذلك المكان بالقطائع، واعتنوا بتعميره وتوزَّعت فيه الطرق، وبنوا كذلك الطواحين والأفران والحمامات، وأطلقوا على أسواقها مسمَّيات، فمنها سوق العَيَّارين، وسوق الفاميين، وسوق الطباخين، وتوسعت هذه المباني حتى وصلت العسكر والفسطاط وصارت المدن الثلاث بلدًا واحدًا متصلة بعضها ببعض.
وقد هُدِم القصر والميدان وتم تدميرهما على يد محمد بن سليمان سنة ٢٩٣ هـ، أما القطائع فاستمرت عامرة حتى عهد الخليفة المستنصر عندما نزلت بمصر الفتن والوباء في القرن الخامس الهجري، فتدمرت هي والعسكر ولم يبقَ من آثار ذلك العصر إلا جامع أحمد بن طولون.
الفكرة من كتاب تاريخ ووصف الجامع الطولوني
نتعرف في هذا الكتاب على الأمير أحمد بن طولون وأعماله، ونعرض أيضًا تاريخ الجامع الذي بناه فظل موجودًا إلى الآن كواحد من أقدم الآثار العربية في مصر، كما نَصِف الجامع أيضًا من الداخل والخارج، هيا بنا لنأخذ جولة في جامع ابن طولون..
مؤلف كتاب تاريخ ووصف الجامع الطولوني
محمود عكوش: مؤرخ مصري، وخبير في الآثار، ولد عام ١٨٨٥م، التحق بمدرسة الأنجال التي قام بتأسيسها الخديوي توفيق لأبنائه، وبعد إتمام دراسته عمل سكرتيرًا في لجنة حفظ الآثار العربية، كما قام بالتدريس في المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، وقدَّم له المعهد الوسام الأكاديمي، وقد عُرِف بسعة علمه بالآثار العربية والتاريخ الإسلامي، كما أنه قد أتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وتوفي عام ١٩٤٤م، وسُمِّي باسمه شارع بالقاهرة في مدينة نصر.
من أعماله: “المسجد الأعظم بالمدينة”، و”مصر في عهد الإسلام”.
من الأعمال التي قام بترجمتها: “حفريات الفسطاط”، و”سلسلة تاريخية للآثار العربية”.