الأدوات المباشرة للترجمة في عصر محمد علي
الأدوات المباشرة للترجمة في عصر محمد علي
وكان محمد علي في حاجة إلى عدد كبير من الموظفين المثقفين ثقافة جديدة لمساعدته في إدارة ما أنشأته الحكومة من دواوين ومصالح، فأنشأ مدرسة الإدارة الملكية، وعُيِّن للتدريس بها أرتين شكري أفندي، واسطفان رسمي أفندي عضوا البعثة إلى فرنسا، اللذان تخصَّصا في دراسة الإدارة الملكية، وكان على هذين المدرسين -إلى جانب اشتغالهما بالتدريس_ أن يقوما بترجمة فن الإدارة الملكية، ونصت لائحة المدرسة على أن تُدرَّس مادة الترجمة للتلاميذ، وأيضًا كانت تُقدم إليهم كتب في التاريخ سهلة، وتترجم لهم درسًا درسًا، لكن مع الأسف قد أُلغيت هذه المدرسة، ونُقل تلاميذها إلى مدرسة الألسن، وأنشئت أيضًا مدرسة التاريخ والجغرافيا، وألحقت بمدرسة المدفعية، وكان ناظر هذه المدرسة الوحيد هو رفاعة الطهطاوي، وكان هدف إنشائها تخريج مدرسين للجغرافيا في المدارس الحربية المختلفة، لكن ألغيت هذه المدرسة أيضًا عند إنشاء مدرسة الألسن، وبهذا كانت هاتان المدرستان الخطوتين التمهيديتين لإنشاء مدرسة الألسن.
وأنشئت مدرسة الألسن في البداية باسم مدرسة الترجمة، ثم أصبح اسمها في ما بعد مدرسة الألسن، وأنشئت هذه المدرسة تحقيقًا لاقتراح رفاعة الطهطاوي لمحمد علي باشا، إذ رأى رفاعة أن هذه المدرسة سينتفع بها الوطن، ويُستغنى بها عن الدخيل، وكان تلاميذ المدرسة في البداية ثمانين تلميذًا، واختير معظمهم من مكاتب الأقاليم، وضُمَّ إليهم تلاميذ مدرسة الإدارة الملكية بعد إلغائها، فزاد العدد، وكانت مدة الدراسة فيها خمس سنوات، وقد تزداد إلى ست، وكان يُدرس فيها اللغات العربية والتركية والفرنسية، والحساب، والجغرافيا والتاريخ، لكن كان الاهتمام الأكبر بتدريس اللغتين العربية والفرنسية، لأن التلاميذ كلهم كانوا من المصريين الذين يعرفون العربية لا التركية، وكان ناظر المدرسة رفاعة يتقن هاتين اللغتين.
وأُنشئ قلم الترجمة تنفيذًا لإشارة لجنة تنظيم التعليم، التي رأت أن من الواجب أن تكون التراجم مضبوطة، خالية من الخطأ، فلهذا ولكون ترجمة كتب العلوم والفنون تتطلَّب الإلمام بالعلم والفن المتُرجم، فقد أنشأت اللجنة غرفة الترجمة الخاصة بالمترجمين، وقسمت هذه الغرفة إلى أربعة أقلام؛ قلم ترجمة الكتب المتعلقة بالعلوم والرياضة، وكتب العلوم الطبية والطبيعية، وكتب المواد الاجتماعية أو الأدبيات، وقلم الترجمة التركية، ثم إرسال هذه الكتب بعد ترجمتها إلى ديوان المدارس.
الفكرة من كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
لعبَت الترجمة دورًا مهمًّا في بناء الدولة المصرية الحديثة؛ إذ أدرك “محمد علي باشا” أنه لا يمكن النهوضُ بالدولة دون التعرُّف على مُنجَزات الحضارات الأخرى، والاستفادةِ مما أحرزَته في مضمار التقدُّم والرُّقي؛ لذا اهتمَّ «محمد علي باشا» بالترجمة، واعتبرها ركيزةً أساسيةً لبناء دولته، ومن خلال صفحات هذا الكتاب ستتعرَّف إلى أي الدول الأوروبية اتجه محمد علي عند النقل؟ ومتى بدأ سياسته الإصلاحية، وما أغراض بعثاته العلمية؟ كما ستجد أيضًا تتبُّعًا تفصيليًّا لحركة الترجمة في هذا العصر، بدايةً من إعداد المترجمين، وانتهاءً بمرحلة الطباعة والنشر.
مؤلف كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
جمال الدين الشيال: مؤرخ مصري، ورائدٌ مِن روَّادِ الدراساتِ التاريخية، وعَلَمٌ من أَعْلامِ الفِكرِ العربي، حصل على الدكتوراه في التاريخ من كلية الآداب، وعُيِّن أستاذًا للتاريخ الإسلامي المساعد بجامعة فاروق الأول، وترَكَ لنا الشيالُ العديدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ والأبحاثِ والدراساتِ المهمَّة، مِنْها:
تاريخ دمياط.
تاريخ الإسكندرية في العصر الإسلامي.
مجموعة الوثائق الفاطمية.
مصر والشام.