ماذا قدم الإسلام للحضارة؟
ماذا قدم الإسلام للحضارة؟
كان للعرب قبل الرسالة عقلية تقليدية مؤسَّسة على اتباع العرف والعادة نابذة لمجرد فكرة محاولة الخروج عن الصندوق المعهود والمعروف للآباء والنظر بمنظار أوسع وأفضل، وكانت التقاليد والعادات متجذِّرة في المجتمع بقوة، لذلك حصلت منهم تلك المناعة القوية في أول الدعوة الإسلامية، وتطلَّب ذلك وقتًا طويلًا حتى استأصل الإسلام تلك التقاليد الباطلة وذم أولئك الذي لا يُعمِلُون عقولهم وبدأ هو يشكِّل العقلية الجديدة على منهج مستقيم يبدأ بـ”اقْرَأْ” وليس أي اقرأ، بل اقرأ قراءة تأمل وتفكر ونظر في الكون الرحب الفسيح أمامك لتعلم فتعمل، اقرأ قراءة تُعمِل فيها عقلك وتحرِّره من قيود الآباء وتَعَبَّد لله بذلك، اقرأ قراءة استكشاف لعلاقتك أنت كإنسان بالكون من حولك، انظر إليه وسيِّره لخدمتك وسخِّره في سبيل استخلافك، ولكن مع تسخيرك هذا لاتنسَ أن تحافظ عليه، فلهذا الكون حق عليك وأنت وصيٌّ أمين عليه لا مالك له.
بهذه الطريقة التي حرَّر بها الإسلام العقل بدأت تنمو وتنضج ثمار ذلك التحرُّر فيما بعد، ومن ذلك أن صدَّرت تلك العقول الجديدة إلى أوروبا كل العلوم والمعارف والصناعات التي تحتاجها والتي لا تحتاجها، فالعلم في المفهوم الإسلامي الصحيح لا يقتصر على العلم الشرعي فقط، وإنما يستوعب جميع دروب النشاط الإنساني، فالعالم المسلم في العصور الأولى تجده عالم فقه وفلك ورياضيات وطب ولا تعارض بينها لأنه فهم أن ذلك كله مما يُتعبَّد به وما هو مُستَخلَف فيه.
وبهذا انتقلت الحضارة الإسلامية إلى أوروبا عن طريق الحروب الصليبية والأندلس وبلاد الشام والبندقية وقبرص وغيرها، فالأندلس مثلًا كانت موبوءة بالجهل والشعوذة والنزاعات الداخلية والفتن الدينية لدرجة أن بعضًا من أمرائها قاموا بمساعدة المسلمين على فتحها، وما إن فتحها المسلمون واستقروا فيها حتى تحوَّلت إسبانيا إلى مدينة أخرى تمامًا طيلة ثمانية قرون وهي تتلألأ في سماء الحضارة، وساعد تعامُل المسلمين الراقي المتسامح المتعايش مع الديانات المختلفة على تلك النقلة أيضًا.
أما الحروب الصليبية فطيلة مدة بقاء الصليبيين في الشرق الإسلامي كانوا على اتصال ومواكبة لمجالات الحضارة الإسلامية المختلفة، فقاموا بنقل بعض أنواع المزروعات والصناعات الزجاجية والخزفية والمرايا والحلي والسجاد لأوروبا والتي لم تكن تعرفها من قبل.
اللغة العربية أيضًا تركت بصمتها على أوروبا، فمثلًا اللهجات السائدة لولايتي أوفرن وليموزان الفرنسيتين مليئة بالكلمات العربية!
وفي مجال الطب فإن الغرب يدين بالكثير والكثير للأطباء المسلمين، كالرازي، وابن سينا، ويحيى بن ماسويه، وحنين بن إسحاق، فبغير هؤلاء لم تكن أوروبا لِتُحلِّل مهنة الطب أصلًا، حيث كانت تعتبر المرض عقوبة من الله لا ينبغي للإنسان دفعها!
الفكرة من كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
إن المقارنة بين الأشياء المادية أو المعنوية التي تهدف إلى الخروج بنتيجة عادلة تتطلَّب قدرًا من الحيادية والصدق في تطلُّب الحق الواضح الذي لا اختلاف عليه، وذلك ما نجده في هذا الكتاب، حيث تقوم الكاتبة بالعرض التاريخي المتفق عليه بين المؤرخين والباحثين لحال العالم من جوانب عدة قبل الإسلام وبعده، مستخدمة الأدوات العلمية المنضبطة ومبتعدة عن الأسلوب الحماسي العاطفي في الطرح.
مؤلف كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
رقية طه جابر العلواني: أستاذة الدراسات الإسلامية في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين، نالت العديد من الجوائز، وشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية، ومن أبرز مؤلفاتها:
أثر العُرف في فهم النصوص.
تدبر الزهرَاوَيْن.
ميراث المرأة بين النص والتأويل