الاختلاف رحمة وليس صراعًا
الاختلاف رحمة وليس صراعًا
يعدُّ موضوع الاختلاف في العقائد موضوعًا شائكًا لم يتعامل معه أحد بمثل ما تعامل معه الإسلام، فالفُرس مثلًا كانوا ينكِّلون بمن يخالفهم في عقيدة عبادة النار، فقاموا بتدمير الكنائس ودور العبادة للنصارى واليهود والبوذيين والمانويين، بل وقتلوهم وأجروا فيهم المذابح، أما الرومان الوثنيون فقد اعتبروا أن المسيحية دين غير شرعي وطاردوا أهل المسيحية حتى اضطروهم إلى الهجرة من بلادهم، وأما العرب فلم يختلفوا كثيرًا عن معاصريهم فرفضهم وصدهم وجهدهم المبذول ضد الإسلام لا يخفى على أحد، فقابلوا هذه الدعوة الحقة بالاستنكار والاستخفاف والتعذيب والمطاردة أيضًا جحودًا وخوفًا على مصالحهم الاقتصادية والسياسية.
العدل والحرية والحفاظ على الكرامة الإنسانية، هذه المعاني أول من قرَّرها هو النبي الكريم من خلال دعوته الخَاتَمة، لا جمعيات حقوق الإنسان ولا القوانين الوضعية، بل هم استمدوها منه، فتَعَامُل الشريعة الإسلامية المتمثلة في النموذج المُحَمَّدي قائم على رفض التعميم في الحكم على الآخرين وتقسيمهم ووضعهم في قوالب نمطية معينة، حنى في ذمِّها لطوائف معينة من المخالفين فإنها تقصد أوصافًا بعينها تسلِّط الضوء عليها، كما تقوم الشريعة في التعامل مع المخالف على إلغاء الطبقية والعنصرية، فالجميع في نَظَرِ الشارِع سواء، الجميع له حق في الإنسانية التي كرَّم الله بها بني آدم، وكذلك تقوم الشريعة في تعاملها مع المخالف معها على أساس حرية الفكر والعقيدة، لا يُجبَر على مُعتَقَد ولا يُكرَه على ترك معتَقَد، فللجميع حقٌّ في التدبُّر والتفكُّر والتساؤل حتى يهتدي إلى الحق، وهو في نهاية الأمر مسؤول عن نفسه، وسيقف فَردًا أمام ربه، والجدير بالذكر أن السيرة النبوية على اتساعها وانتشارها لم تشهد حادثة إكراه واحدة على ترك دينٍ واعتناق الإسلام، وهي مع إقرار هذا الحق لا تقر بالكفر أصلًا.
أيضًا تقوم الشريعة على التزام مبدأ التعارف الإنساني، فالبشرية كلها من أصل واحد ومصيرها واحد، وهي مع ذلك تقرِّر استقلال كل فرد في شخصيته وعقيدته وتركِّز على جوهره وباطنه وتَكِل الحكم عليه لخالقه ومولاه، وهي أيضًا تكرِّم الإنسان كل إنسان مهما كان دينه أو جنسه وفي أي مكان كان فالكرامة للإنسانية لا لغيرها.
إن الاختلاف سنة واقعة بين البشر لا محالة، فلا بد من تقرير ذلك في النفوس أولًا، فهو حقيقة لها حِكم ربانية، يقول تعالى ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾، وهذا الاختلاف المذكور هو اختلاف العقيدة، وموقف الشريعة منه هو الاعتراف به حتى يحدث الحوار بينهم فيظهر الحق على يد طائفة دون الأخرى.
الفكرة من كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
إن المقارنة بين الأشياء المادية أو المعنوية التي تهدف إلى الخروج بنتيجة عادلة تتطلَّب قدرًا من الحيادية والصدق في تطلُّب الحق الواضح الذي لا اختلاف عليه، وذلك ما نجده في هذا الكتاب، حيث تقوم الكاتبة بالعرض التاريخي المتفق عليه بين المؤرخين والباحثين لحال العالم من جوانب عدة قبل الإسلام وبعده، مستخدمة الأدوات العلمية المنضبطة ومبتعدة عن الأسلوب الحماسي العاطفي في الطرح.
مؤلف كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
رقية طه جابر العلواني: أستاذة الدراسات الإسلامية في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين، نالت العديد من الجوائز، وشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية، ومن أبرز مؤلفاتها:
أثر العُرف في فهم النصوص.
تدبر الزهرَاوَيْن.
ميراث المرأة بين النص والتأويل.