المحترفون والهواة
المحترفون والهواة
يحلل المفكر الفرنسي ريجس ديبراي وضع المثقفين الفرنسيين في الفترة بين عامي 1880م إلى 1930م، ويصفهم باللاجئين العلمانيين الهاربين من سلطة الكنيسة محتمين بأسوار جامعة السوربون العريقة، منعزلين تحت الألقاب يمارسون نشاطهم الفكري والعملي في المختبرات وقاعات التدريس والمكتبات، محققين تقدمهم في المجال الإنساني في النطاق الأكاديمي المحدود.
وبعد عام 1930م بدأ نجم الجامعات الأكاديمية في الخفوت مقابل صعود تيار جديد متمثل في دور النشر التي تتمتع بسهولة وصول إنتاجها إلى فئات مختلفة من الجماهير، فبدأت باستقطاب العديد من الرموز الثقافية خارج النطاق الأكاديمي، مثل سارتر وألبير كامو وسيمون دي بوفوار، وكان أسلوبهم وسطًا بين الكنيسة والإعلانات التجارية.
مع بداية عام 1968م أصبحت أجهزة الإعلام الجماهيرية، سواء كانت الإذاعة أو التلفاز، القبلة التي توجهت إليها أنظار كل من المثقفين والمشاهدين، وانتقل الحكم على أفكار المثقف من جودتها ومقدرتها التفسيرية إلى مدى قبول الجمهور لها واستساغتها، وهو ما جعل المفكر رهينة لأهواء مجتمعه كما رأى سارتر.
بينما يرى إدوارد سعيد أن المثقف في بيئته العملية بين حدين هما: الاحتراف والهواية، فالاحتراف هو حصول التخصص الذي يمثل ترخيصًا من السلطة لاستعمال معارفه في دراسات ومجالات محددة، مقابل دخل مضمون وترقٍّ وعدة امتيازات أكاديمية أخرى، وهو تيار المثقفين الذي تسهل استمالته من قبل السلطة.
بينما الهاوي هو من يتجول بهدف الإزعاج دون أغراض ومكاسب يستهدفها، لا ينتمي إلى حزب سياسي معين أو حركة ما، يلقي المحاضرات المتنوعة في مجالات مختلفة عن مجال اختصاصه، ليس تمثالًا جامدًا ثابتًا بل يحمل رسالة فردية يتحرك بها قدر إمكانه.
ولا تمثل الجامعة المشكلة بحد ذاتها، بل هي إحدى وسائل المثقف في الترقي والتطور والتعبير عن نفسه، ولكن تكمن المشكلة في التخصص الذي يحصر المفكر في نطاق معرفة ضيق، ويمنعه من التحرك والتعبير بحرية عن العديد من القضايا المهمة بحجة أنه لا يحمل فيها شهادة تخصص.
الفكرة من كتاب المثقف والسلطة
لمتابعيها مادة علمية رصينة ممتعة تحت اسم “محاضرات ريث”، وتعرض لهجوم ومعارضة كبيرين لموقفه الناقد لسياسات الولايات المتحدة ودفاعه عن القضية الفلسطينية.
فمن هو المثقف أو المفكر إذًا؟ وما رسالته ومسؤوليته التي ينبغي له تأديتها؟ ما التحديات والقيود التي تقف أمامه لأداء رسالته؟ وكيف تطور صراعه مع السلطة وتنوعت أشكاله؟
هذه الأسئلة الكبرى التي حاول إدوارد سعيد تقديم الإجابة عنها عبر استعراض تحليلات لعدد من المثقفين أو المفكرين ثم الإدلاء بدلوه في كل قضية منها.
مؤلف كتاب المثقف والسلطة
إدوارد سعيد، مفكر وباحث فلسطيني حامل للجنسية الأمريكية، ولد لأسرة مسيحية بالقدس في نوفمبر عام 1935م، تخصص في دراسة الأدب الإنجليزي وحصل على شهادة الدكتوراه فيه بجامعة هارفارد عام 1964م، وعمل أستاذًا بجامعة كولومبيا لمدة 40 عامًا.
يعد من أقوى الناشطين المنتقدين لسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل الخارجية، ممثلًا الصوت الأقوى في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ظل نشاطه كبيرًا متمثلًا في تجوله بين عدد من الجامعات الكبيرة وتقديمه عددًا كبيرًا من المحاضرات في مجالي السياسة والفكر، حتى توفي عام 2003م بعد صراع دام لعشرة أعوام مع اللوكيميا.
من أهم أعماله وأكثرها تأثيرًا كتاب الاستشراق، الذي انتقد فيه الصور النمطية التي قدمها الاستشراق الغربي عن الدول العربية والإسلامية، وتمييزها المعرفي والعرقي الذي اعتبره تسويغًا للإمبريالية.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمد عناني، أديب وكاتب مسرحي ومترجم، ولد بالبحيرة عام 1939م، حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة القاهرة عام 1959، والماجستير من جامعة لندن عام 1970م، وعلى الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام 1975.
له أكثر من 130 كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية ولقب بعميد المترجمين.