المثقف والمجتمع
المثقف والمجتمع
يؤثر السياق الحضاري المهيمن في طريقة تفكير المثقف أو المفكر، فيقيده بعوامل مثل القومية والموقع الجغرافي والدين واللغة التي لا تختزل في الكلمات والتراكيب فقط، بل إن اختلاف النبرات يوصل رسائل مختلفة، كما يجبر المثقف أو المفكر أن ينتمي إلى وطن أو جماعة ما، ولهذا فالمفكرون الفرنسيون يختلفون كليًّا عن المفكرين في الصين، فلقد نما كل منهم تحت عوامل وثقافة وروافد مختلفة تمامًا، مما جعل الدراسات تتعامل مع المفكرين كبؤر اجتماعية مختلفة، مستبعدة ما يسمى بالمثقف العالمي رغم ندرة وجوده.
ونتيجة لهذا ينساق كثير من المثقفين، تحت ضغط دعاوى الوطنية والولاء للأمة، إلى تبرير وتسويغ أي فعل تتخذه حكومات بلادهم، سواء كان قرارًا بالغزو أو توقيع عقوبات اقتصادية ظالمة أو سلسلة من الإجراءات العنصرية ضد فئات ضعيفة في المجتمع لا تجد من يمثلها في الساحات العامة، وما يجب على المفكر في هذا السياق هو أن يقف موقف الناقد الفاحص المشكك في الأصول والقيم التي تقوم عليها الأفكار التي تدفع وتشرعن هذه الإجراءات، بدلًا من الانتماء الأعمى الذي يدفعه إلى الالتزام بالحالة النفسية العامة المسيطرة على الجماهير، والانصياع للقيم السائدة والخضوع لنفوذ السلطة.
ولكن الانتماء هو احتياج إنساني فطري شرطه أن يكون متزنًا، وتمثل الوطنية دافعًا قويًّا للدفاع عن الهوية التي تكاد أن تباد، فعند الصراع على البقاء يحشد المثقفون الشعب، بسبب قدرتهم على الاتصال بآلامه والتعبير المستمر والمتجدد عن مشكلاته، وكل العوامل التي تدفعه إلى المقاومة، وعندها تظهر صيغ لغوية تعبر عن الانتماء مثل كلمتي “نحن” و “هم”.
يصف إدوارد شيلز معاناة المثقف في مجتمعه أنه بين تمثيل طرفين متباعدين، فإما أن يتكيف ويتوافق مع الأعراف والقيم السائدة أو يعارضها ويخضع رموزها للمساءلة العامة، ولكنه بهذا التصرف يقف ضد التيار العام، لأن القيم والأعراف السائدة مبنية على النفاق والتعصب الأعمى، وما تبحث السلطة عنه هو الولاء والطاعة وليس النشاط الفكري.
فالمثقف محاصر دائمًا بين قيم مفروضة عليه من الخارج وبين إحساسه بالمسؤولية تجاه جماعته، ويتمثل التحدي أن يقف متزنًا محافظًا على ما يؤمن به، وما يمليه عليه ضميره.
الفكرة من كتاب المثقف والسلطة
لمتابعيها مادة علمية رصينة ممتعة تحت اسم “محاضرات ريث”، وتعرض لهجوم ومعارضة كبيرين لموقفه الناقد لسياسات الولايات المتحدة ودفاعه عن القضية الفلسطينية.
فمن هو المثقف أو المفكر إذًا؟ وما رسالته ومسؤوليته التي ينبغي له تأديتها؟ ما التحديات والقيود التي تقف أمامه لأداء رسالته؟ وكيف تطور صراعه مع السلطة وتنوعت أشكاله؟
هذه الأسئلة الكبرى التي حاول إدوارد سعيد تقديم الإجابة عنها عبر استعراض تحليلات لعدد من المثقفين أو المفكرين ثم الإدلاء بدلوه في كل قضية منها.
مؤلف كتاب المثقف والسلطة
إدوارد سعيد، مفكر وباحث فلسطيني حامل للجنسية الأمريكية، ولد لأسرة مسيحية بالقدس في نوفمبر عام 1935م، تخصص في دراسة الأدب الإنجليزي وحصل على شهادة الدكتوراه فيه بجامعة هارفارد عام 1964م، وعمل أستاذًا بجامعة كولومبيا لمدة 40 عامًا.
يعد من أقوى الناشطين المنتقدين لسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل الخارجية، ممثلًا الصوت الأقوى في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ظل نشاطه كبيرًا متمثلًا في تجوله بين عدد من الجامعات الكبيرة وتقديمه عددًا كبيرًا من المحاضرات في مجالي السياسة والفكر، حتى توفي عام 2003م بعد صراع دام لعشرة أعوام مع اللوكيميا.
من أهم أعماله وأكثرها تأثيرًا كتاب الاستشراق، الذي انتقد فيه الصور النمطية التي قدمها الاستشراق الغربي عن الدول العربية والإسلامية، وتمييزها المعرفي والعرقي الذي اعتبره تسويغًا للإمبريالية.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمد عناني، أديب وكاتب مسرحي ومترجم، ولد بالبحيرة عام 1939م، حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة القاهرة عام 1959، والماجستير من جامعة لندن عام 1970م، وعلى الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام 1975.
له أكثر من 130 كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية ولقب بعميد المترجمين.