كيف علَّمهم
كيف علَّمهم
تمثَّلت منهجيته (صلى الله عليه وسلم) في تعليم أصحابه في عدَّة نماذج؛ فعلَّم أصحابه (رضوان الله عليهم) الشرائع بالتدريج سعيًا منه (صلى الله عليه وسلم) لتثبيت الإيمان في القلوب، والاعتدال والبعد عن الإملال؛ فكان يتخيَّر الوقت والألفاظ المناسبة، وراعى كذلك الفروق الفردية للمتعلمين؛ فكان (صلى الله عليه وسلَّم) يحدِّث كل واحد على قدر استطاعته، وظهر ذلك جليًّا في أحاديث أفضل وأحب الأعمال إلى الله، وقد جمع (صلى الله عليه وسلم) بين القول والإشارة في التعليم؛ فكان يستخدم (صلى الله عليه وسلم) يديه في إيصال المعنى مع حديثه المنطوق.
أما عن منهجه مع السائلين فقد كان منهجًا جليلًا لا يخرج إلا من نبي؛ فكان يجيب السائل عمَّا سأل عنه، بل ويجيبه بأكثر مما سأل، ولفته كذلك لغير ما سأل عنه؛ فيزيده علمًا ليزداد عملًا، وكان يُعيد (صلى الله عليه وسلم) السؤال على صاحبه ليزيده فيما هو أوسع من الإجابة الأولى، وإذا أراد تدريب أحد أصحابه فوَّضه بالجواب عمَّا سُئل عنه، ولما كان للثناء من أثر طيب في نفس المتعلم فكان يمتحن العالم بشيءٍ من العلم ليقابله بالثناء عليه إذا أصاب.
ولأنَّ الأحداث المشاهدة أدعى إلى الثبات في الذهن فقد انتهز (صلى الله عليه وسلم) المناسبات العارضة لتعليم أصحابه، واستخدم في تثبيت المعنى أيضًا التكرار، أما في فعله فكان (صلى الله عليه وسلم) يغيِّر جلسته، أمَّا في سبيل إثارة الانتباه فقد تنوَّعت الوسائل بين تكرار النداء مع تأخير الجواب، وتارةً يُمسك (صلى الله عليه وسلم) بيد المخاطب أو منكبه، وفي بعض الأحيان يبهم (صلى الله عليه وسلم) الشيء لحمل السامع على الاستكشاف عنه إما لترغيبه فيه أو زجره عنه.
وقد جمع رسول الله بين الحياء وصدق التبليغ بالتمهيد اللطيف عند تعليم ما قد يُستحى منه، ويكتفي فيه بالتعريض والإشارة، واهتم الرسول (صلى الله عليه وسلَّم) اهتمامًا شديدًا بتعليم النساء ووعظهنَّ لأن لهنَّ أكبر الأثر فيمن هو آتٍ من بعدهن.
الفكرة من كتاب الرسول المعلم وأساليبه في التعليم
هذا الكتاب إسهاب لمحاضرةٍ أُلقيت في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية بالرياض بالمملكة العربية السعوديَّة، ونتج عنها كتاب باسم “الرسول المعلم وأساليبه في التعليم”، وهو وصف وتفنيد للفكرة المعنيَّة، أي كيف كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) معلمًا في قوله وفعله، وحتى في صمتهِ، على هيئة أحاديث وآثار من حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) منتقاة من الكتب الستة، واحتوى في طيَّاته الكثير من الأفكار التي تصلح أن تكون منارةً لكل مُعلِّم في إبانةٍ وتفصيل.
أما عن سبب التأليف فهو لصلة هذا الموضوع بالعلم والعلماء والتعلم والمتعلمين، وقد خرج هذا الكتاب إلى النور متأخرًا بسبب انتظار الكمال وتمام العِلم، وهذا مما لا يكون.
مؤلف كتاب الرسول المعلم وأساليبه في التعليم
عبد الفتَّاح بن محمَّد بن بشير أبو غدَّة: سوري من مواليد حلب عام 1917م، درس في كلية الشريعة جامعة الأزهر بمصر، كما درس تخصُّص أصول التدريس في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعمل مدرسًا في جامعة الإمام محمَّد بن سعود في السعوديَّة، وله أكثر من سبعين مؤلفًا أكثرها يدور في فلك أصول الحديث منها: “من أدب الإسلام”، و”صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل”، وتوفي عام 1997م عن عمر يناهز الثمانين.