مسافةٌ بينَ زمَنَين
مسافةٌ بينَ زمَنَين
قديمًا كان الاتجاه السائد للباحثين في تنمية الطفل، وجوانب التربية في شخصيته هو الالتفات إلى “سلوكيات” الطفل، ثم بدأت “أقوال” الطفل تدخل ضمن اهتمامات علماء النفس، وهذه الأقوال تضمَّنت بشكل رئيس “قصَّ القصص”.
لقد تشكَّل بدهيًّا في الأذهان أن قصص الأطفال قصص بسيطة، غير مركَّبة أو جديرة بالتحليل كما في قصص كُتَّاب الأدب، إلَّا إنها بالنسبة للأطفال هي شكل من أشكال الاعتراف بالنفس، ومن أسباب تمحور القصة في حياة الأطفال هي كونهم بدؤوا كمستقبلين لقصص الأمهات لفترة طويلة، بعدها تبدأ مخيِّلتهم بالعمل؛ فيعبِّرون عن شعورهم وأنفسهم بالقصص والسرد، وهذا يحدث عند الأطفال صغار السن في أغلب الأحيان؛ في أوقات اللعب، وقبل النوم، وبعد نموِّهم قليلًا يتطوَّرُ الأمر إلى أحلام اليقظة وأحاديث النفس الداخلية، ويكون العامل الأساسي في حال الاستماع لها هو هذه البساطة المشوبة بالخيال المثير للاهتمام، إلَّا إنها متضمِّنة جانبًا نفسيًّا معقَّد التركيب، وأبسط سؤال فيها قد يحمل في طياته أهمية أكثر من سؤال شخص بالغ لشيء محفِّز لتحريك الذهن، ويختلف السرد عن القصة، فالسرد عرض للتَّجارب المتخيَّلة والواقعية في الأحداث اليومية التي تُحكى بشكل غير مقصود لذاته؛ فتكون في سياق اللعب أو الحديث المقتطع، أما القصة ففي الغالب يحكيها الطفل بشكل مقصود، ولا يتطلَّب فيها الرد على أسئلة الطفل، والتفاعل معها، بل تعتمد على الاستماع، والانتباه بشكلٍ أكبر.
تعدُّ القصة شكلًا من أشكال التعبير عن تجارب الفرد الحياتية المثيرة للاهتمام، ولا تقتصر على عمرٍ معيَّن، فتكون قصص الآباء عن تجاربهم منذ الصغر محطَّ احتفاء شديد، لكن في حال تأمُّل صغير نجد التجربة ذاتها تختلف من رواية إلى أخرى حسب سن الفرد، وتركيبته النفسية، وكيفيَّة تذكُّره لها، لكنها تتفق في أنها تجربة مميزة ثابتة في ذهن القاص.
إن القصص شيء محوري في حياة الطفل، وعامل كبير من عوامل البهجة، والتفاعل، والحيوية، ويمكن من خلالها مراقبة النمو والشعور الداخلي للأطفال؛ لذا يعد وجود شخصٍ مهتمٍّ لقصصهم ومتفاعلٍ معها بشكل صحيح من الأشياء المحفِّزة والمساعدة على النمو السليم، وتنشئة الطفل في بيئة القراءة فيها شكل أساسي من أشكال المعرفة، من أكثر الأشياء المحفِّزة لخيالِ الطفل المؤثر في عالم المعرفة، والتعبير عن الذات، كحكاية القصص، والرسم، واللبنة الأولى في حب القراءة التي تتطوَّر بتطوُّر عمر الطفل.
الفكرة من كتاب القصص التي يحكيها الأطفال
هذا الكتاب إبحار في عوالم ومشاعر الأطفال عن طريق اللغة والقصص، واستنباطات عن عالم الأفكار والآثار الاجتماعية في نفوسهم، في وسيلة لحل الألغاز المعرفية لعالمهم، واكتساب وعيٍ عاطفي بذواتهم، وأيضًا تعدُّ تُرجمانًا لعلاقة الطفل بما حوله من المجتمع.
مؤلف كتاب القصص التي يحكيها الأطفال
سوزان أنجل: مُدرِّسة في علوم النفس بجامعة ويليامز، ومؤسسة برنامج ويليامز للتدريس، وأحد مؤسسي مدرسة هاي جراوند The Hayground في مدينة نيويورك، مسؤولة عن الإشراف على التدريس وتطوير المناهج وتقييمها وتقديم المشورة، لها من الكتب “العقل الجائع hungry mind”، وكتاب “الحياة الفكرية للأطفال The Intellectual Lives of Children”.
معلومات عن المُترجِم:
إيزابيل كمال: وهي مترجمة مصرية، عملت في التمثيل، والكتابة، والشعر، وتخرَّجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وحصلت على دبلوم في الأدب المقارن.