خدع الأمهات.. من ثري-إم إلى رفوف الدير
خدع الأمهات.. من ثري-إم إلى رفوف الدير
كما ظهر من طبيعة وضع الفول في ذلك التناقض العجيب بين طرق تقديمه التي تختلف تبعًا لأيام الصيام والإفطار فذلك ليس أقصى درجات الانقلاب التي يُكسبها المطبخ القبطي لمأكولاته، ولكن يتضح هذا التناقض بين المخبوزات الصيامي والفطاري سواء في تعقيد عملية التجهيز أم المكونات نفسها، فتتمتع المخبوزات الفطاري بدرجة من البذخ غير معتادة من المطبخ القبطي، بينما تظهر بشكل غارق في البدائية أيام الصيام، بالطبع لا يكون هذا التحويل للمأكولات وجعلها مباحة لتناولها أيام الصيام دائمًا بهذا اليسر بل إن الأغلبية كانت لصالح طعام الإفطار، حتى أهل عصر النباتيين ليفتح أمام المطبخ القبطي ملاذًا آخر لم يكن في الحسبان قط.
دخلت المطبخ القبطي مكونات جديدة وأصبح لمعظم المأكولات الفطاري نظائر صيامية، ولكن لم ترضخ كل الأطباق لهذه الثورة، واقفة أمام الألاعيب المنزلية وتجارب الأمهات ظلت البيتزا صامدة أمام محاولات التطويع التقليدية سواء بتغيير الإضافات أو تنكيه الخبز، لم تستطع البيتزا الصيامي أن تخطف الأنفاس وتشكل بديلًا حقيقيًّا لهذا الطبق العنيد، كان يلزم هذا الانقلاب تفكير من نوع آخر وقد أظهر فرن مخبوزات 3M القدرة على هذا النوع من التحديات، وعندما جاء الدور على البيتزا لم تكن هناك طريقة أخرى غير الخداع للتعامل مع هذا الطبق، وهذا ما حدث، مُستلهمين التجربة من البيتزا ممزوجة بالروح المسيحية أخرج المخبز طبقًا جديدًا تمامًا مكونًا من خبز القربان بإضافة الخضراوات على سطحه، شكلت ظاهرة 3M وأمثالها إذنًا للمطبخ والشعب القبطي لاستكشاف أماكن جديدة والانفتاح على السوق الكبيرة واختيار ما يتناسب منها مع قائمة الطعام المسيحية الحساسة جدًّا كما لاحظنا، هذا يشكل بعدًا اقتصاديًّا آخر، فعلى هذه السوق الآن أن تتعامل مع كتلة تتحرك بانتظام وجماعية بين الصيام والإفطار وأن تلبي رغباتها في الحالتين، بالطبع هذا سيحمل خطورة وعبئًا آخر على المسيحيين، فهم الآن مُطالبون بتحري الدقة لكل منتج يشترونه مدققين في صلاحية مكوناته لوضعهم الحالي أم لا، هذا سيستلزم معرفة واسعة بالمواد الحيوانية وأشباهها، ما يجعل الصورة كأنها معمل كيميائي كبير.
الفكرة من كتاب غذاء للقبطي: دروس من المطبخ القبطي
هنا ننظر بشيء من التفصيل إلى جزء مُهمل بعض الشيء من الشخصية المسيحية، ونتعرف تفاصيل تخص الطعام وأشياء أقل أهمية، فإذا كان الحديث عن التاريخ أو المجتمع المسيحي، قفز المطبخ في الحال إلى المقدمة ممثلًا للشخصية المسيحية وتاريخها، وذلك لأن المطبخ القبطي لا يتوقف عند المأكول والمشروب فقط، ولكنه يحمل أبعادًا أخرى وتراكمات خاصة بتاريخ المصري المسيحي، وطبيعة علاقته مع المجتمع المحيط به في مختلف أمزجته وحالاته.
مؤلف كتاب غذاء للقبطي: دروس من المطبخ القبطي
شارل عقل: كاتب مصري من مواليد الإسكندرية عام 1983 م، تخرج في قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، عمل كاتبًا حرًّا في مجلة “أمكنة” ومجلة “مجاز” ويقيم حاليًّا بالعاصمة الصينية بكين متفرغًا للدراسة والكتابة، من أشهر أعماله:
_ رواية أحمر لارنج.
_ سيناريو فيلم لمبة نيون.
_ الرواية المصورة: قنديل الجو.