عصر المادية.. المسلمون إلى أشتات
عصر المادية.. المسلمون إلى أشتات
مع هذا التراجع الكبير لدور الكنيسة وظهور الحركات الإصلاحية في المجتمعات الأوروبية حدث تنامٍ للتيارات القومية والوطنية، التي تُمركز أوروبا في كل شيء وتنسب كل الأفكار والإنجازات إلى أوطانها، انتقلت هذه الآراء إلى الأقطار العربية مُوجهة أهلها بعيدًا عن دينهم ووُجدت بعض التيارات التي تنظر إلى هذا الدين كأنه إنجاز خاص بالعرب، فيبحث الفرس والترك مثلًا عن ديانات أجدادهم الوثنية باعتبارها تمثلهم وترمز إلى قومهم، أصبحت الشعوب الأوروبية بدعوى هذه الأفكار ضحية لنفسها، تقدس ذاتها ولا ترى العالم إلا بها فقامت حرباهم الأولى والثانية اللتان أهلكتاهم وأرهقتا البشرية معهم، ترتب على هذه الأثرة القومية الأوروبية واجب ذاتي يرون أن عليهم بسط نفوذهم ونشر أفكارهم، فأقاموا المستعمرات في الدول الضعيفة ونافسوا بعضهم على تذليل بقية الشعوب والدخول إلى أراضيهم بذرائع واهية كترقية هذه الأمم ونشر مبادئ العدل والديمقراطية فيها.
كان الأوروبيون قد تقدموا كثيرًا بالفعل وظهرت الملامح الرئيسة لحضارتهم وبدأت منجزاتها بالتهافت واحدة تلو الأخرى، ولكنها في النهاية جمادات وأدوات لا يُحكم عليها بالضرر ولا بالنفع وإنما على موضعها التي تُوضع فيه، وكان هذا الموضع مفتوحًا على مصراعيه للأوروبيين لا يحجمه دين أو مبادئ، يملكون قوى جبارة قادرة على إسعاد البشر أو إذلالهم، ولكن العنجهية البيضاء لم تزدها القوة إلا غباءً وتخبطًا، فقد امتلكوا بالفعل الأدوات والقوى المادية ولكنهم لم يمتلكوا رجالًا قادرين على تحمل مسؤوليتها ولا تسييرها بما يخدم البشر كافة، لم يكونوا على قدر كاف من التربية والأساس الروحي يؤهلهم لهذا، وتجلى ظلمهم في أبطش سلاح عرفه البشر حين قامت أميركا باستخدام القنبلة الذرية في اليابان ثم أصبح تطوير هذه الأسلحة شأنًا دوليًّا وتعبيرًا عن القدرة والهيبة، طمست هذه الانفجارات الآذان وأذعن الناس لما رأوا وأصبح المذهب المادي هو المُسير لإرادات الناس وحياتهم لا يفكرون في ما لا يرون ولا يلقون بالًا لما هو أبعد من حياتهم، ثم استهلكت المادية معظم البقاع الشرقية وتغير هذا الطابع التاريخي الروحي لأهلها، ولكن كانت جذوة هذا الدين ما زالت ملتهبة في قلوب بعض دعاته وقد أظهروا مدى قدرتهم على تمثيله وشرعوا ينشرون تعاليمه ما وسعهم، ويُيسر الله لهم الخلق فيتوافدون عليهم من كل حدب يؤدون ما عليهم وينتظرون وعد الله.
الفكرة من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
إن معاناة العالم الإسلامي من آثار الحضارة الحديثة لم تُصبه في دنياه فقط، وإنما سلبته أهم ميزاته وقواه ألا وهي نزعته وتربيته الروحية، لقد أيقظ النبي ﷺ هذه النزعة ونقاها من شوائب الجاهلية ووجه هذه المواهب إلى حيث تبرز وتنتج، يتابع أبو الحسن التيارات والأفكار التي سيطرت على البشر منذ خفوت الزعامة الإسلامية ومدى تأثيرها في حاضر البشر، وهل هي جديرة بهذه القيادة، ثم يحدد الشروط اللازمة لاستعادة المسلمين هذه الزعامة.
مؤلف كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
أبو الحسن الندوي المفكر الإسلامي الهندي، ولد بقرية تكية عام 1914م وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن ابي طالب، درس القرآن والحديث والتفسير في ندوة العلماء بكلية دار العلوم، ثم بدأ عمله بها مدرسًا للتفسير والأدب العربي، أسس العديد من الحركات والمؤسسات الدينية مثل حركة رسالة الإنسانية والمجمع الإسلامي العلمي، له العديد من المؤلفات من أهمها:
مختارات من أدب العرب.
رجال الفكر والدعوة في الإسلام.
قصص النبيين للأطفال.