خلافة راشدة.. الدين يكبح السياسة
خلافة راشدة.. الدين يكبح السياسة
خرجت هذه الأفواج المؤمنة من تلك الصحاري المُهمَلة تجمع كل أسباب الارتقاء والتحضر، فهم يحملون رسالة عظيمة تحدد أهدافهم وتحصر أهواءهم وقد ظلوا لسنوات عديدة يحاربون نفوسهم البشرية فيزيدونها خيرًا على خير ونزعوا منها أثرة النفس وعصبية الجاهلية، فهم لا ينشرون رسالة قومية ولا ينشدون دولة عربية، إنما قصدوا تحرير أعناق البشر ووضع تلك الأعراق المنهوبة حيث يكون باستطاعتها تحرير أفكارها وإيقاظ أذهانها فتنفع نفسها وعالمها، فبذلك ضمنت لجميع الأمم في ظلها نهضة متزنة وحياة سعيدة قائمة على مزيج متناسب بين الروح والمادة، لا تهلك نفسها في حطام الدنيا وإنما تأخذ منه ما يعينها على قيام الحضارة وسلامة الأبدان، ولا تفني روحها في الانعتاق والانعزال عن عالمها، فتهمل بذلك أسباب المدنية ويستحيل عليها تعمير الأرض ولكن تأخذ من هذا وذاك ما يقيم أودها ويحفظ دينها.
هذا الخط الدقيق الذي اعتصم به المسلمون الأوائل بين المادية المُهلِكة والروحية المُميتة لم يكن على هذا القدر من الوضوح لتابعيهم، فقد كان المُسلم في العصر الأول مزيجًا من أدوار مختلفة ليس راهبًا ولا محاربًا ولا فقيهًا فقط، وإنما عليمًا بمتطلبات كل تلك المهام، وتتمثل السياسة والدين في ذهنه كشيئين يُحجم كل منهما الآخر ولا يطغى أي منهما على صاحبه، هذا التآلف المُركب يتطلب تهذيبًا وصفات لم تتحقق في ما تلاهم من حكام، رأوا الدين والسياسة شيئين متضادين أحيانًا، وتغلبت السياسة على حاجز الدين فأصبح ملكًا بشريًّا لا يختلف عن القياصرة والأكاسرة في شيء، فأصابهم بذلك ما أصاب هذه الأمم من أمراض وثنية وعادات جاهلية ظلت تتسرب إلى نفوس الحكام والناس، حتى تظن بهم الردة إلى الجاهلية وأطوارها، ولكن شعلة هذا الدين ظلت تتجدد بأئمة ظهروا لينجدوا الأمة في لحظاتها العسيرة، حيث انتشرت دعوات الجهاد من جديد لصد الغزاة الصليبيين، واستمرت هذه الدعوة متوارثة من القائد عماد الدين زنكي حتى أذن الله بصلاح الدين ليتم على يديه فتح بيت المقدس، ثم ما لبثت أن عادت الأمور إلى عهدها الأول وابتليت الأمة بغير الأكفاء حتى حان الوقت لقوم آخرين بحمل هذه الرسالة ونشر دعوتها.
الفكرة من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
إن معاناة العالم الإسلامي من آثار الحضارة الحديثة لم تُصبه في دنياه فقط، وإنما سلبته أهم ميزاته وقواه ألا وهي نزعته وتربيته الروحية، لقد أيقظ النبي ﷺ هذه النزعة ونقاها من شوائب الجاهلية ووجه هذه المواهب إلى حيث تبرز وتنتج، يتابع أبو الحسن التيارات والأفكار التي سيطرت على البشر منذ خفوت الزعامة الإسلامية ومدى تأثيرها في حاضر البشر، وهل هي جديرة بهذه القيادة، ثم يحدد الشروط اللازمة لاستعادة المسلمين هذه الزعامة.
مؤلف كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
أبو الحسن الندوي المفكر الإسلامي الهندي، ولد بقرية تكية عام 1914م وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن ابي طالب، درس القرآن والحديث والتفسير في ندوة العلماء بكلية دار العلوم، ثم بدأ عمله بها مدرسًا للتفسير والأدب العربي، أسس العديد من الحركات والمؤسسات الدينية مثل حركة رسالة الإنسانية والمجمع الإسلامي العلمي، له العديد من المؤلفات من أهمها:
مختارات من أدب العرب.
رجال الفكر والدعوة في الإسلام.
قصص النبيين للأطفال.