نهاية الانقطاع.. العالم أخيرًا إلى النور
نهاية الانقطاع.. العالم أخيرًا إلى النور
كانت معظم الأرض المأهولة منقسمة بين إمبراطوريتين عظيمتين، هما الفرس والروم، يظاهرون بعضهم العدوان ويتشاركون في قهر شعوبهم وتوسيع رقعة حكمهم، يرون دعوتهم شيئًا مقدسًا وفي حكامهم ظلًّا لله على الأرض، ولذلك فمن الواجب على شعوبهم شكر هذه النعمة حتى لو على حساب أرزاقهم، تسبب هذا النظام في شطر تلك المجتمعات إلى طبقة ضئيلة تستنزف ما تحتها وأصبحت تلك الطبقة ترفل في نعم باقي الشعب ولا يعني لهم الحكم سوى الرفاهة والبذخ.
لم يكن هذا عالمًا جديرًا بالاستمرار ولا خليقًا بأمانة الله على الأرض، ولطول عهده بالوثنية والضلال كان نداء الحق كزلزال لهذا البناء المتهالك، فهو لا يقصد ترميم هذا الجزء أو تبديل ذاك، ولكن إحلاله بالكامل ونسخ الباطل بالحق، إنها دعوة جامعة لا تخص قومًا وحدهم ولا تستهدف فكرة بمفردها، إنما قصدت جميع الخلائق واستهدفت جميع الأفكار، وقد عرف القوم خطرها وأدرك العرب أن هذا الأمر مؤذن بتبديل حياتهم بل هدمها بالكامل، فوقفوا للنبي بالمرصاد يقطعون عليه طرق الإصلاح وينفرون عنه الناس، ولكنه كان يُنشئ جيلًا جديدًا يُربيهم تحت عينيه ويُرسي فيهم قواعد هذه الدعوة، حتى صنع من هذا الركام الحي والبقايا البشرية نماذج للمُثل العليا تصلح لحمل هذه الرسالة، نزع منهم أخلاق جاهليتهم الأولى حيث الشهوة والهوى هما القائد والمُتبَع، ثم عمد إلى تلك الجرثومة التي لا صلاح لهم إلا بزوالها، تلك العصبية التي أشعلت حروبهم وتسلطت على تاريخهم، فهدأها وأحل مكانها عاطفة أخرى هي حب الله ورسوله والاجتهاد في طاعتهما، فنشأت من اجتماع هذه الصفات فيهم نفوس عجيبة لا ترى شيئًا يستحق الخشية والموت لأجله سوى خالقهم ورسوله الذي أخرجهم من ذلك الظلام، فاندثرت من قلوبهم تلك الأثرة وانقلبت إلى روح جمعية تنتظم لأمر رسول الله وتخضع لسلطان الله ولا ترى فضلًا لنسب على نسب، إنما التفاضل بطاعة الله ورسوله.
نشأ هذا التحول العجيب في أفراد متفرقين ليس لهم غاية ولا هدف، فأثار النبي ﷺ فيهم مواهبهم وحفز قدراتهم، فإذا بكل واحد منهم له سمة مميزة وموضع كأنه قد خُلق له، ثم يطل على العالم من جزيرة العرب قوم لم يُعرفوا لا بالحضارة ولا الديانة ولكن يشاء الله أن يكون هذا زمانهم.
الفكرة من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
إن معاناة العالم الإسلامي من آثار الحضارة الحديثة لم تُصبه في دنياه فقط، وإنما سلبته أهم ميزاته وقواه ألا وهي نزعته وتربيته الروحية، لقد أيقظ النبي ﷺ هذه النزعة ونقاها من شوائب الجاهلية ووجه هذه المواهب إلى حيث تبرز وتنتج، يتابع أبو الحسن التيارات والأفكار التي سيطرت على البشر منذ خفوت الزعامة الإسلامية ومدى تأثيرها في حاضر البشر، وهل هي جديرة بهذه القيادة، ثم يحدد الشروط اللازمة لاستعادة المسلمين هذه الزعامة.
مؤلف كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
أبو الحسن الندوي المفكر الإسلامي الهندي، ولد بقرية تكية عام 1914م وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن ابي طالب، درس القرآن والحديث والتفسير في ندوة العلماء بكلية دار العلوم، ثم بدأ عمله بها مدرسًا للتفسير والأدب العربي، أسس العديد من الحركات والمؤسسات الدينية مثل حركة رسالة الإنسانية والمجمع الإسلامي العلمي، له العديد من المؤلفات من أهمها:
مختارات من أدب العرب.
رجال الفكر والدعوة في الإسلام.
قصص النبيين للأطفال.