احتياجات فطرية بداخلنا
احتياجات فطرية بداخلنا
دومًا نحتاج أن نشعر بأننا موجودون ويرانا الجميع ويقدِّرون قيمتنا، وهذا الاحتياج طبيعي وفطري ويوجد بداخلنا منذ الشهور الأولى في عمرنا، فالطفل الذي يبكي ويصيح ويكسر الأشياء ما تلك إلا محاولات منه لجذب انتباهك، لهذا علينا في التربية أن نشبع قدر المستطاع هذا الاحتياج عند أطفالنا، ولو تأمَّل الناس في أروقة الحياة لوجدت أن تلك الفتاة التي تضع المساحيق وتتبع آخر صيحات الموضة وذلك الرجل الذي يتوهَّم دومًا المرض، وذاك الشاب الذي لا يشبع من جمع المال؛ كل هؤلاء يركضون وراء إشباع الإحساس بالوجود وبأنهم مرئيون.
ولا تتوقَّف الاحتياجات عند الوجود فقط، وإنما نحتاج أيضًا إلى من يضمُّنا إلى صدره ويربِّت على أكتافنا، فالاحتياج إلى العناق لا يقل أهمية عن احتياجنا تجاه الأكل والشرب واللبس، فالعناق يعني القبول غير المشروط والتفرُّد والاهتمام، ويغذِّي إحساس الوجود بداخلنا، وقد أثبتت الدراسات أننا نحتاج أربعة أحضان في اليوم على الأقل لنعيش في سلام نفسي، أما إذا كنت تريد أن تعيش في نمو صحي كامل وسلام نفسي حقيقي فحينئذٍ أنت تحتاج إلى اثنتي عشرة مرة من العناق يوميًّا، فبالعناق تُفرز الهرمونات المسؤولة عن السعادة ويقلُّ التوتر، ويُمتصُّ ما سبَّبته العلاقات المشوَّهة بداخلنا والكثير من العوائق النفسية، والكثير من الأمراض النفسية تُعالَج بالعناق، وكذلك الكثير منها يكون سببه الاحتياج إلى العناق، فعانق أبناءك وأصدقاءك وشريك حياتك.
ولكن كيف سنعانق الجميع قبل أن نعانق أنفسنا أولًا ونتقبَّلها بأخطائها ونعفو عنها، بدايةً من سن ثلاث سنوات تقريبًا يتكوَّن عند الإنسان ما يعُرف بالإحساس بالذنب، هذا الكائن العملاق الذي بداخلك هو سلاح قوي لك، ولكن قد يكون هذا السلاح عليك، وذلك يرجع إلى طريقة التربية، فإن كانت التربية قاسية يحاسب فيها الطفل على كل كبيرة وصغيرة سيكون جانب الإحساس بالذنب كبيرًا وقاسيًا ولا يعرف سوى اللوم، أما إذا كانت التربية سويَّة يتعلم فيها الطفل العفو والمساواة والحب غير المشروط سيكون حجم هذا الكائن معقولًا، أما إذا كانت التربية مستهترة لا يبالي فيها الطفل لشيء فلن يكون هناك مكان لهذا الجانب، لهذا تعلَّم وعلِّم أطفالك أيضًا أن كل البشر يخطئون ولكن لا نيأس ونغفر لأنفسنا أولًا ثم نتعلَّم من أخطائنا.
الفكرة من كتاب الخروج عن النص
لا نزال نحمل بقايا تؤلمنا من الماضي ومخاوف لا نعرف كيف نتجاوزها، وقد تصدر منا بعض التصرُّفات لا نعرف لها مبررًا في أنفسنا، ومشاعر لا نعرف كيف أتت، معًا في هذا الكتاب نتعرف على النفس وماهيتها وكيف نحفظ حدودها ولا نسمح لأحد بأن يتعدَّى الخطوط الحمراء، ونتعلم كيف نتجاوز تلك الأمور التي لا تزال عالقة في أعماقنا وكشف الحجاب عن أفعال بعض الناس التي قد تكون خارجة عن النصوص الراسخة في عقولنا.
مؤلف كتاب الخروج عن النص
محمد طه: طبيب نفسي مصري، وكاتب مشهور حاصل على الماجستير والدكتوراه في الطب النفسي، وحاصل على الزمالة في الطب النفسي من الكلية الملكية البريطانية، وله العديد من المؤلفات منها: “لأ بطعم الفلامنكو”، و”علاقات خطرة”، و”ذكر شرقي منقرض” .