التمرُّد على المسار المرسوم
التمرُّد على المسار المرسوم
منذ اليوم الأول لنا في تلك الحياة ونحن نسير على مسارات مرسومة ومحدَّدة، سواء كان هذا التحديد من قِبل الأهل أو المجتمع، كأن التحرُّك خارج الصندوق إلحاد، ولكنه قد يكون إبداعًا، وفي بعض الأحيان تكون تلك المسارات لا تشبهنا، ففي أحد الأفلام الأجنبية كان بطل الفيلم شابًّا سياسيًّا له طموحه وإنجازاته وشغف لا يُعرف له حدود، وترشَّح في انتخابات الكونجرس ولكنه خسر فيها فجهز له فريق الحملة الانتخابية كلمة يلقيها على الجمهور، إلا إنه حين رأى “الفتاة التي أحبَّها” قرَّر الخروج عن النص المكتوب له، فتعرَّف بها وعلم أنها ستكون ملهمته، ولكن فريق مكتب التسوية رأى أنها ستكون عائقًا في طريق النجاح وحاول الوقوف ضد هذه العلاقة، إلا إن إصرار بطل الفيلم كان أقوى حتى استسلم مكتب التسوية لتلك العلاقة.
والشاهد من تلك القصة أن نتعلَّم كيف يكون الخروج عن المسار حين نراه لا يشبهنا، ونزيل الأقنعة لتخرج تلك النفس السوية الحرَّة التي بداخلنا، فأنت لست مجبرًا على أن تتعلَّم وتصبح طبيبًا إرضاءً للأهل والمجتمع، بل افعل هذا حين تجده شغفك في الحياة، فلديك دومًا القدرة على تغيير المسار، فإن القضاء يُرَدُّ بالدعاء، وتعلَّم ألا تفقد الإحساس بالأمل لأنه يعد أقوى دافع للاستمرارية… والأمل يحتاج أن تصدِّق نفسك أولًا، وأن تكون مستعدًّا للمخاطرة، فالخروج من المسار المعروف إلى آخر مجهول يعد من المخاطرة، وبالأمل يمكن أن تتقبَّل الهزيمة والفشل، وأن تقف صامداً في وجه صعاب الحياة.
وأما عن آخر ترياق يشفي من تلك السموم والعمود الفقري للحياة فهو الحب، حيث استمرَّ بطل الفيلم مع محبوبته من أجل الحب، وبالحب يولد الأمل والشغف وتشبع رغبة الإحساس بالوجود، وتُزال الأقنعة دون خوف، ونتصالح مع العالم بكل ما سبَّبه لنا من ندبات وأوجاع، ولا شيء يشفي النفوس أكثر من تلك العلاقة السوية التي تشعرك أنك مقبول بكل مساوئك، لذلك في التربية لا تتجاهل جانب الحب حتى تقطف ثمارًا سوية، وتُخرج للمجتمع جيلًا يعرف كيف يعفو ويتصالح مع نفسه ومع الآخرين، فالحب يملأ تلك الفجوة التي بداخلنا ويشفي الكثير من الأمراض النفسية، وهو السر والنور لغدٍ مشرق وعلاقات ناجحة وقلوبٍ تعرف كيف تستمتع بالحياة.
الفكرة من كتاب الخروج عن النص
لا نزال نحمل بقايا تؤلمنا من الماضي ومخاوف لا نعرف كيف نتجاوزها، وقد تصدر منا بعض التصرُّفات لا نعرف لها مبررًا في أنفسنا، ومشاعر لا نعرف كيف أتت، معًا في هذا الكتاب نتعرف على النفس وماهيتها وكيف نحفظ حدودها ولا نسمح لأحد بأن يتعدَّى الخطوط الحمراء، ونتعلم كيف نتجاوز تلك الأمور التي لا تزال عالقة في أعماقنا وكشف الحجاب عن أفعال بعض الناس التي قد تكون خارجة عن النصوص الراسخة في عقولنا.
مؤلف كتاب الخروج عن النص
محمد طه: طبيب نفسي مصري، وكاتب مشهور حاصل على الماجستير والدكتوراه في الطب النفسي، وحاصل على الزمالة في الطب النفسي من الكلية الملكية البريطانية، وله العديد من المؤلفات منها: “لأ بطعم الفلامنكو”، و”علاقات خطرة”، و”ذكر شرقي منقرض” .