الأوراسية ومناهضة العولمة
الأوراسية ومناهضة العولمة
تُعدُّ العولمة ظاهرة أُحادية البُعد وذات اتجاه واحد فيما يتعلَّق بإدارة التاريخ البشري، إذ تحاول إضفاء الطابع العالمي على وجهة النظر الأنجلوسكسونية والأمريكية بشكل أساسي، وذلك من خلال توحيد مختلف الهياكل الاجتماعية والسياسية والعرقية والدينية والقومية في نظام واحد، مستخدِمة في ذلك القمع والعنف مع كل من يعارضها أو يريد أن يحافظ على خصوصيته، ووصلت العولمة إلى ذروتها من خلال هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي، وهو ما عبَّر عنه الفيلسوف الأمريكي “فوكوياما” بمصطلح “نهاية التاريخ”، أي نهاية التاريخ الجيوسياسي والصراع بين الحضارات الأطلسية (إنجلترا وأمريكا) والحضارات الأرضية، ووجود نظام عالمي لا يحتوي سوى قطب واحد، فتحوَّل الصراع بعد أن كان بين (شرق وغرب، وشمال وجنوب) إلى صراع بين المركز والضواحي، فالمركز هو الغرب أو الشمال الغني، بينما تمثِّل الضواحي الجنوب العالمي أو الجنوب الفقير، وبناءً على ذلك فإن الأوراسية ترفض نموذج المركز والضواحي، وتقترح بدلًا منه أن تتكوَّن الكرة الأرضية من مجتمعات ليست قومية، بل هياكل حضارية متكاملة من خلال تحالف الدول وتنظيمها في اتحادات قارية أو إمبراطوريات تشكِّل مناطق متعدِّدة الأقطاب متضمِّنة نظامًا معقدًا من العوامل العرقية والثقافية والدينية والإدراية، ومن ثمَّ فإن الحضارة الأطلسية لها الحق في الوجود في سياقها التاريخي والجغرافي ولا تتعدَّاه، وذلك جنبًا إلى جنب مع الحضارات الأخرى.
وبناءً على ذلك، فإن الدول القومية المعاصرة أمام خيارات ثلاثة: الأول أن تخضع للعولمة فتذوب وتندمج في فضاء كوكبي واحد تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني أن تُعارض العولمة مع محاولة الحفاظ على هيكلها وسيادتها الرسمية، والثالث أن تدخُل في تشكيلات فوق دولة ذات طبيعة إقليمية على أساس القواسم المشتركة التاريخية والحضارية، والخيار الثالث هو خيار الفلسفة الأوراسية، إذ تُقسِّم النظرية الأوراسية العالم إلى أربعة أقطاب مُشكَّلة من أربعة أحزمة جغرافية: القطب الأول (منطقة القارتين الأمريكيتين) موجَّهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، والقطب الثاني (منطقة أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط) موجَّهة نحو الاتحاد الأوروبي كمركز لها، والقطب الثالث (روسيا وآسيا الوسطى وإيران وتركيا وباكستان وأفغانستان) موجهة نحو روسيا، والقطب الرابع (منطقة المحيط الهادي) هندوستان، والتي تتشكَّل من دول شرق وجنوب آسيا، وداخل هذه المناطق الجغرافية الأربعة سوف يتم تقسيم العمل الإقليمي، ويمكن رؤية أشكال مماثلة من هذه الأقطاب عبر التاريخ في إمبراطوريات الهون وغيرها من الإمبراطوريات البدوية كالمغول والتُرك في عهد جنكيز خان وخلفائه، وبناءً على ذلك سيكون العالم خلال القرن الحادي والعشرين ساحة للقرارات المصيرية للاختيار بين الخيارات الثلاثة.
الفكرة من كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
يعرض ألكسندر دوغين في هذا الكتاب أطروحته الفلسفية السياسية المُعادية لليبرالية وللنُّظم الغربية وللحضارات الأطلسية الممثَّلة في (أمريكا وبريطانيا)، ويُطلق على هذه الأطروحة اسم (الأوراسية)، وهي حركة ثقافية نشأت في روسيا، وشاعت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، لا تدَّعي هذه الفلسفة عالميتها وقطبيتها الوحيدة، كما أنها لا تفرض نفسها على الثقافات الأخرى مثلما فعلت الليبرالية طوال القرن العشرين والقرن الحالي، وتُعزِّز الأطروحة الأوراسية بما يُطلق عليه دوغين “النظرية السياسية الرابعة”، وهي بديل عن النظريات الثلاث: “الليبرالية” و”الشيوعية” و”الفاشية”.
مؤلف كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
ألكسندر دوغين: يُعد من أهم الفلاسفة والمفكرين الروس المعاصرين، ويعتبره البعض عقل بوتين، هو مُحلل سياسي واستراتيجي، صاحب النظرية السياسية الرابعة والنظرية الأوراسية، من كتبه المترجمة إلى اللغة العربية:
أسس الجيوبوليتيكا.. مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي.
الخلاص من الغرب.. الأوراسية.
معلومات عن المترجم:
علي بدر: هو روائي وكاتب ومترجم عراقي، من رواياته:
بابا سارتر.
شتاء العائلة.
مصابيح أورشليم.
حارس التبغ.
الكاذبون يحصلون على كل شيء.
ومن ترجماته:
الإنسان الإله لـ”يوفال نوح هراري”.