نقد عالمية الحضارة الغربية
نقد عالمية الحضارة الغربية
أقامت الحضارة الغربية نظامها الخاص للمبادئ والقيم على أساس علمنة المسيحية الغربية (الكاثوليكية والبروتستانتية)، ما أدَّى إلى إبراز قيم مثل الفردية والأنانية والمنافسة والتقدم التقني والاستهلاك والاستغلال الاقتصادي، وأسَّست حضارتها على القوة المادية القاسية، وليس على العظمة الروحية، ثم رفعت نظامها إلى مرتبة النظام العالمي، وتم فرض هذا النظام الغربي على الشعوب والثقافات الأخرى بالقوة والحيلة، متجاهلة أن لكل شعب وثقافة حقًّا جوهريًّا في التطور وفقًا لمنطقها الخاص، ومن ثمَّ فإن روسيا هي حضارة وثقافة أصيلة، وهي مدعوَّة ليس فقط لمواجهة الغرب من أجل حماية حقها الجوهري، بل لتكون أيضًا في طليعة شعوب ودول الأرض الأخرى للدفاع عن حرية حضاراتهم وثقافاتهم.
ترى الأوراسية أن تعدُّد المناظر الطبيعية على كوكب الأرض هي التي أنتجت تعدُّد الثقافات، ولكل ثقافة دورتها الخاصة ومعاييرها الداخلية ومنطقها، ومن ثمَّ فإن للمساحة الجغرافية تأثيرًا هائلًا، بل وحاسمًا في بعض الأحيان على ثقافة الشعوب والتاريخ الوطني الخاص بها، إذ طالما تطوَّرت في بيئة جغرافية معينة، فإنها تطوِّر بالتبعية أشكالًا من الوطنية والأخلاقية والقانونية واللغوية والدينية والاقتصادية والسياسية، وبناءً على ذلك لا يحق لأي دولة أو منطقة جغرافية أن تدَّعي أنها المعيار لكل البقيَّة، فلكل شعب نمطه الخاص في التطوُّر والعقلانية، ويستحق أن يُفهم ويُقيَّم وفقًا لمعاييره الخاصة الداخلية، وليس وفقًا لمعايير شعوب أو مناطق أخرى.
ومن هنا نجد أن روسيا هي تعبير عن إمبراطورية “السهوب والغابات” ذات الأبعاد القارية، ومن ثمَّ فهي تتطلَّب نمطًا معينًا لقيادتها الخاصة، ما يعني الحاجة إلى أخلاقيات المسؤولية الجماعية، وضبط النفس، والمساعدة المتبادلة، والزهد، وقوة الإرادة والمثابرة، والتسلسل الهرمي الصارم، والفضيلة، وذلك من أجل إبقاء الأراضي الواسعة غير المأهولة بالسكان في منطقة السهوب والغابات الأوراسية تحت السيطرة، بينما نجد أن الديمقراطية الغربية قد تشكَّلت في ظل الظروف الخاصة لأثينا القديمة وتطوَّرت على مدار قرون من تاريخ إنجلترا المعزولة، ومن ثمَّ فهي تمثِّل الصفات المحلية الأوروبية، ولا تُمثِّل معيارًا عالميًّا، وبناءً على ذلك فإن الديمقراطية الليبرالية الأوروبية هي بلا معنى ومستحيلة وخطر على روسيا وغيرها من الثقافات والحضارات الأرضية الأخرى.
وبناءً على ذلك، فإن الافتتان بالنماذج الغربية في عهد النظام السوفييتي أدَّى إلى ظهور مصطلح “الإصلاح”، وهو في حد ذاته مرادف للديمقراطية الغربية، فأدَّت هذه الإصلاحات إلى انهيار وحدة الدولة السوفييتية، وبداية سقوط روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، إذ بدأ يُنظر إلى ماضي روسيا وحاضرها ومستقبلها من وجهة نظر غربية، بهدف تدمير ما تبقَّى منها، وفي ظل هذه الإصلاحات وُلدت معارضة معادية للغرب والليبرالية الغربية، فانبثقت من هذه المعارضة النظرية الأوراسية الجديدة كظاهرة أيديولوجية وسياسية، وأصبحت تدريجيًّا واحدة من التيارات الرئيسة في الوعي الذاتي الوطني الروسي.
الفكرة من كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
يعرض ألكسندر دوغين في هذا الكتاب أطروحته الفلسفية السياسية المُعادية لليبرالية وللنُّظم الغربية وللحضارات الأطلسية الممثَّلة في (أمريكا وبريطانيا)، ويُطلق على هذه الأطروحة اسم (الأوراسية)، وهي حركة ثقافية نشأت في روسيا، وشاعت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، لا تدَّعي هذه الفلسفة عالميتها وقطبيتها الوحيدة، كما أنها لا تفرض نفسها على الثقافات الأخرى مثلما فعلت الليبرالية طوال القرن العشرين والقرن الحالي، وتُعزِّز الأطروحة الأوراسية بما يُطلق عليه دوغين “النظرية السياسية الرابعة”، وهي بديل عن النظريات الثلاث: “الليبرالية” و”الشيوعية” و”الفاشية”.
مؤلف كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
ألكسندر دوغين: يُعد من أهم الفلاسفة والمفكرين الروس المعاصرين، ويعتبره البعض عقل بوتين، هو مُحلل سياسي واستراتيجي، صاحب النظرية السياسية الرابعة والنظرية الأوراسية، من كتبه المترجمة إلى اللغة العربية:
أسس الجيوبوليتيكا.. مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي.
الخلاص من الغرب.. الأوراسية.
معلومات عن المترجم:
علي بدر: هو روائي وكاتب ومترجم عراقي، من رواياته:
بابا سارتر.
شتاء العائلة.
مصابيح أورشليم.
حارس التبغ.
الكاذبون يحصلون على كل شيء.
ومن ترجماته:
الإنسان الإله لـ”يوفال نوح هراري”.