القيود السفاحية
القيود السفاحية
يتعرَّف الفرد على العالم وتتشكَّل أغلب تصوُّراته من خلال والديه، ويرى فرويد أن هناك ميلًا كبيرًا بين الابن وأمه من جهة، وبين البنت وأبيها من جهة أخرى قائمًا على الانجذاب الجنسي، وتمثِّل الأم حالة اليقين والأمان والتغذية بالنسبة للأبناء بسبب الحب غير المشروط الممنوح لهم، وعندما يكبر وينضج، وأمام الظروف الصعبة والمخاطر التي يواجهها اجتماعيًّا والعواطف القاسية التي يختبرها نفسيًّا ووعيه بهما، يبدأ في البحث عن صورة لحب أمه غير المشروط في نساء آخرين، أو ما يمكن أن يُسمَّى في هذه الحالة بالبحث عن الحب، وعلى نطاق اجتماعي قد تتمثَّل الأم في صورة العشيرة أو الحزب السياسي أو الأمة القومية.
والتثبيت السفاحي أيضًا له صورتان: الأولى حميدة إذا كانت تصب في اتجاه الاستقلالية والحصول على الغذاء والأمان والحب والرعاية وغيرها في ظل علاقات متزنة، والثانية إذا كانت مبنية على نرجسية تغذِّي التبعية الباحثة عن صورة قاسية متطرِّفة من الأم لاسترجاع الماضي الذي يتخلَّص فيه من عبء مسؤولياته وإن كان يتمرَّد عليها أحيانًا.
بينما يمثل الأب في عالم أطفاله سيادة النظام والقانون الذي يحاسب على الأفعال ثم يكافئ أو يعاقب، ويتم اكتساب حبه المشروط عبر سلسلة من الأفعال التي تنال رضاه، ولكنَّ هذين الارتباطين سواء كان بالأب أو بالأم ليس ارتباطًا جسديًّا أو مكانيًّا، بل هو شعوري تصوُّري، فهو يعبِّر عن نفسه كامتداد غير منفصل.
يرتبط التثبيت السفاحي والنيكروفيليا بالاتجاه دائمًا إلى الماضي الميت الذي يمثل الأمان والتحكم وكرههما الأعمى للمستقبل الممثل للمجهول، ويشتركان في تغذية عوامل مرضية متعدِّدة؛ مثل التبعية إما لفرد أو جماعة، والخوف من الاستقلال وتحمُّل أعباء حرية الاختيار، والاغتراب النفسي، فيصعب على الفرد تحديد مشاعره وقناعاته الحقيقية على وجه الدقة، واهتزاز التصوُّرات الفردية عن النزاهة والشرف والكرامة ومدى استحقاقهم.
الفكرة من كتاب جوهر الإنسان
ما جوهر الإنسان؟ لطالما أرَّق هذا السؤال كل من له إنتاج معرفي، وانشغلت به الأديان والمذاهب الفلسفية والفكرية على اختلافاتها، محاولة تقديم إجابات تفسِّر عددًا كبيرًا من أفعاله وسلوكياته: هل هو جزء من الطبيعة الحتمية، أم مخلوق متجاوز لها يصارع بين الخير والشر؟ وماذا عن رغبته الشديدة في ممارسة العنف والتدمير، هل هي متأصلة جذريًّا أم أنها رد فعل على وضع ما؟ وهل هناك عوامل تغذِّيه، وإن وجدت فكيف نتحكَّم فيها لنغيِّر ذلك الوضع؟
بمثل هذه التساؤلات وغيرها ومحاولة “إريك فروم” الإجابة عنها، نرى تحليله لبعض الظواهر الإنسانية والاجتماعية.
مؤلف كتاب جوهر الإنسان
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية وعانى كثيرًا في تنشئته، ونال الدكتوراه عام 1922م في علم الاجتماع، كما عمل في مصحة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
ترتكز أفكار فروم على انتقاد كلا الجانبين الرأسمالي والشيوعي بسبب نزعهما الصفة الإنسانية من الإنسان في طريقة رؤيتهما إياه، وقد طرح رؤية بديلة أثناء مشاركته في الحزب الاشتراكي الأمريكي، كما نقد العديد من نظريات فرويد في التحليل النفسي رغم إعجابه الكبير به.
وتميَّز بأعماله التي تناقش الطبيعة الإنسانية في المجتمعات الصناعية الحديثة، ومنها: “المجتمع العاقل”، و”الهروب من الحرية”.
معلومات عن المترجم:
سلام خير بك: مترجم، وله العديد من الكتب المترجمة، من بينها: “حكمة التاو.. أصغ لجسدك”، لمؤلفيه: بيسونغ غاو، وأندرو بويل، و”عقل بلا حدود، تأليف: كريشنا مورتي، و”روح زن”، لآلان واتس، وغيرها.